السبت، 18 أغسطس 2018

تعظيم سلام
فيلم لسيد سعيد
الفيلم الذى تنبأ بثورة 25 يناير

بعد أن لفت الأنظار بفيلمه الروائى (القبطان) والذى
حصل على عده جوائز محليه وعربية ودوليه ومنها الجائزه الذهبيه لمهرجان دمشق السينيمائى الدولى عام 97
، الفيلم الذى كتب عنه المخرج العالمى كريستوف زانوسى انه فيلم يتمتع بخصوصية وتفرد وبلغة سينمائيه مبتكرة
...يعود سيد سعيد هذه المرة ليطل علينا من أفق سينيمائى مختلف من خلال فيلمه، ،تعظيم سلام
. ،، الذى يعرض فيه تجربة طلعت حرب النهضوي من خلال قصه صعوده و إنهيار تجربته
وهو الفيلم الذى يدخل فى نطاق مايمكن تسميته الفيلم العابر للنوعيه
.. من حيث أنه يجمع بين الوثائقى والسردى الدرامى
كما يتضمن مقاطع من السينما الخالصة ومقاطع شعريه
..كما يتضمن مجموعه من التراكيب النصيه
التى تتفاعل فيما بينها فى عمليه تأثير متبادله ومن ثم يصعب تصنيفه تصنيفا جامدا
فالواقع متعدد ومستهدف ليكشف عن كل طبقاته
ويمكن أن يتخذ أشكالا مختلفه إنه أشبه بمقطوعه بلوفونيه متعدده الأصوات
ورغم أن محور الفيلم الأساسى يدور حول شخصيه طلعت حرب
وتجربة النهضوي خاصه فى مجال الاقتصاد ويقدم انشوده حنونه
حول حياته صعوده وانهياره المأسوى. إلا أن الفيلم يتجاوز هذا الهدف بوضع تجربه طلعت حرب
خلال رحله تاريخيه تمتد من عصر محمد على حتى التجربه الناصرية انتهاء بعصر السادات ومبارك
وحيث يقوم الفيلم بتحليل عناصر قيام
وأسباب انهيار التجارب النهضوي فى مصر فى إطار التحولات البنيوية
التى جرت على أرض المجتمع المصرى وصولا إلى الانتفاضات الفئوية المتتالية
والاحتقان السياسى والغليان الشعبى الذى سبق ثوره 25 يناير
الفيلم لا يتوقف عند حدود الرصد والتحليل لما جرى من وقائع وأحداث مر بها الشعب المصرى
بل نراه يبعث بشارات تحريضية للتمرد والثوره على هذه الأوضاع
ولم يكتف بإطلاق صرخات الألم والمرارة بقدر ما اتخذ شكلا تنبؤيا بما سوف يحدث وحدث
لم تكن الدعوه للثوره والتمرد على الأوضاع السياسية والاجتماعية المتدنية هى فقط ماسعى إليه الفيلم بل قدم شكلا سينيمائيا متمردا على ما الفناه فجاء الفيلم مواكبا لهذا التمرد فى سياقه الجمالى والابداعى والنصى
وفى هذا الإطار يمكننا أن نتحدث عن فيلما تجريبيا مختلف سواء فى صيغته البنائية أو مقترح بجماليات تلقى مختلفه
ففى إطار البناء الشكلى للفيلم سنجد الفيلم لا ينطلق سرديا من نقطه مركزية للسرد بل يستند على عده مراكز كما يقوم بنائيا على مايمكن تسميته بالتراصف الكولاجى الذى يقوم على سرديات متنوعه ومتداخله من التعليق المباشر والحوار والصوت الذاتى والقصيدة الشعريه إلى الموسيقى البصرية.
وفى هذا التشكيل البنائى ينفتح النص على إمكانيات غير محدوده أمام المتلقى وحيث لا توجد سلطه مطلقة على النص
واذا كان من الشائع أن نرى فى بعض الافلام أن يقوم المخرج بحجز شريط الصوت ليدع الصوره تنطق فإن سيد سعيد يفعل العكس ففى بعض مناطق النص يحذف الصوره مع استمرار شريط الصوت ويجد المشاهد نفسه أمام شاشة سوداء ويطلب المخرج من المتلقى أن يضع بنفسه ما يراه ملائما من صور باعتباره عضوا مشاركا فى النص وأعاده إنتاج دلالات متنوعه
هذه الشاشه السوداء قادره على التقاط أى بث قادم من عالم المشاهد وخبرته الحياتية وعليه أن يملأ بنفسه فراغات النص سيد سعيد يقول للمشاهد فى هذا الفيلم هذا هو ما رأيته ولكم الحق أن تضيفوا رأيكم وما ترونه
-------------------------------------------
الفيلم إنتاج: المركز القومى للسينما
سيناريو و اخراج : سيد سعيد
مدير الإنتاج : جلال عيد
مدير التصوير: شريف سعيد الشيمي
مونتاج : عبالله الغالى
- مده عرض الفيلم 105دقيقة
-------------------------------

النشرة التى قمت بتحريرها عن الفيلم وتوزيعها على رواد نادى الفيلم باتيليه اسكندرية الساعة 6 مساء الموافق السبت 9 يناير 2016

الجمعة، 5 مايو 2017

FILM READER: The Assignment, Free and Easy, Legend, Ivan Childh...

FILM READER: The Assignment, Free and Easy, Legend, Ivan Childh...: The Assignment المهمّـة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نقد : محمد رُضـا ـــــــــــ...

الأحد، 19 يونيو 2016

كيفن سباسي.. نجم سينما التسعينيات



بقلم : على نبوي عبد العزيز


 
هناك بعض الممثلين تبعث أسماؤهم القشعريرة والرعشة من الإثارة المتحققة في الأفلام التي تعرض لهم في السينما ـ إنهم كوعد بأشياء جديدة ستحدث.. أو كضمان تحصل عليه مهما كانت درجة جودة الفيلم الذي يشتركون فيه.
ويعد كيفن سباسي المولود في 26 يوليو 1959 واحداً من هؤلاء بأدائه الرائع في فيلم "المشتبه فيهم المعتادون" للمخرج بريان سنجر.
إن المعجبين بأداء كيفن سباسي ـ هذا الممثل ذو التسعة والثلاثين ربيعاً ـ على مدى السنين لابد وأن يتذكروه في دوره السريع وذي الأثر البارز في فيلم "الأب" Dad عام 1989 عندما قام بدور ممثل مساعد لـ جاك ليمون في أدائه الملون. وكذلك قام بدور مساعد لـ تد دانسون في فيلم "أين ذهبت مهنتي؟".
وقبل أن يؤدي أفضل أعماله على المسرح لفت الأنظار إليه بأدائه الرائع في الفيلم التليفزيوني "سقوط من صفح ومغفرة" وعمل مع جاك ليمون عام 1987 في فيلم "مقتل ماري فاجان" ثم مرة أخرى بعد ثلاث سنوات في النسخة السينمائية من قصة دافيد ماميت "جلنجاري جلين روسي" حيث لعب دور رئيس مكتب لجماعة بائسة ومختلفة الأهواء والأمزجة من سماسرة العقارات.. وكان معظم الوقت شخصية نشطة للغاية فكانت الوظيفة التي حصل عليها دون تعقيدات.. وكذا لم يحاول سرقة الكاميرا من زملائه الممثلين الموهبين في الفيلم مثل آل باتشينو وإد هاريس وآلان أركين وجاك ليمون.
وفيما بعد أتيحت لـ سباسي الفرصة ليأخذ دوره في سباق الدراما وعندئذ فقط رأينا طبيعة شخصيته.
وكانت واحدة في سلسلة الاختراقات أو القفزات التي صعدت به لأعلى والتي شملت دور (كنت) البارع في استخدام الألفاظ في فيلم "المشتبه فيهم المعتادون" وهو الأداء الذي أعطى سباسي جائزة أوسكار 1996 كأحسن ممثل مساعد.. ويؤكد سباسي على ذلك بقوله: "إنها حقيقة.. إن فيلم المشتبه فهم المعتادون كان حلقة من سلسلة من الأفلام أو الأدوار ا لبارزة التي منحت لي.. ولكنني لا أستطيع إنكار أهمية فيلم "جلنجاري جلين روسي" أو فيلم "موافقة الراشدين".. وفي الفترة التي سبقت فيلم "المشتبه فيهم المعتادون" كنت قد بدأت وضع أساس لعملي كممثل في الأفلام التي لا أقوم فيها بأدوار هامشية. حيث كنت قد قمت بأدوار في أفلام "هنري وجين" أو فيلم "الأب" أو فيلم "فتاة عاملة". لقد شعرت أنني أريد أن ألعب أدواراً تكون أكثر أهمية من حيث مجرى أحداث القصة، وفي نفس الوقت حدث أن قابلت بريان سنجر وكريس ماك كواري، وذهبا لكتابة سيناريو فيلم "المشتبه فيهم المعتادون" وأنا في ذهنهما للقيام بدور (فربال كنت).. وكانت هذه واحدة من سلسلة الأشياء التي تسير رأساً.. ثم جاء فيلم "السباحة مع القرش) وفيلم "الخطايا السبع" و فيلم "المشتبه فيهم) وكلهم ظهروا على شاشة العرض في خلال أربعة شهور.. وفجأة أصبحت منتشراً في كل مكان.. وكان ذلك شيئاً سخيفاً ولكنه كان تدريجياً بالنسبة لي".
وفيلم "الخطايا السبع" للمخرج دافيد فنيشر والذي يعد من الأفلام الهامة والمثيرة لسباسي ولعشاقه.. نجد اسمه لا يظهر في أفيشات الدعاية وملصقات الفيلم. وليس مذكوراً ضمن طاقم الممثلين. ولا يظهر إلا في اللقطات الأخيرة القليلة.. وهذه خطة متعمدة.
وشرح ذلك سباسي قائلاً: "كان الشرط الوحيد الذي أقل به الفيلم أنني يجب ألا أقاضيهم.. أو أشكوهم لعدم ظهور أسمي في الفيلم وكان هذا ضرورياً لنجاح الفيلم.. لانك عندما تنجح في الوصول إلى هذا الدور.. فإنه حقاً علامة مميزة وبارزة. وفي القصة أو السيناريو لا تظهر الشخصية قبل صفحة (98) وله أربعة مشاهد فقط يظهر فيها ثم يختفي".
ثم أردف سباسي قائلاً: "إن هذا الفيلم تدور قصته حول شرطيين يطاردان شخصاً ما ـ لا يستطيعان مقابلته أبداً. وفجأة ولأول مرة تستمع إلى صوته عبر التليفون ـ كنت خائفاً أن نفشل في هذا، فإذا لم أظهر في أول عشرين دقيقة. وأسمي في قائمة الفيلم.. فإن الجمهور كان سيدرك ما الدور الذي أقوم به.. وكنت أرغب في ألا أكون لدى المشاهدين أي تنويه باحتمال أنهم قد يمسكون المجرم.. أو حتى إذا كان له وجود أصلاً.. وهذا جعل تأثير صدمة ظهوره في مركز البوليس/ الشرطة لها تأثير كبير جداً.. وهكذا رفعنا قيمة المراهنة.. ولم يكن رد فعل الجمهور قولهم "يا إلهي ها هو المجرم وانظر من يقوم بدوره" وهكذا تخلق مادة للحديث بين المشاهدين. وهذا شيء عظيم.. ولحسن الحظ نجح الفيلم وسار في النهاية في المسار المحدد له".
إن المكانة الراسخة لرموز المهنة السينمائية تكتسب وجودها بسرعة تبعاً للأدوار البارزة التي تحدث دوياً كبيراً وضجة إعلامية مصاحبة لذلك النجاح.. وكيفن سباسي استحق أن يوضع في قائمة أفضل الممثلين.. تبعاً لأعماله والمشاهد التي يظهر فيها.. ونمط الأدوار التي يؤديها كما لا يمكن أن ننسى ماضيه.. وإثباته لنفسه كخبير خلف الكاميرا مثلما حدث من قبل في فيلم "السرقة" و "الخوف من الأماكن المغلقة".
وأخيراً حقق سباسي مكانة عالية مرة أخرى في الفيلم الممتاز.. المثير عن عالم الجريمة والفساد "سري جداً في لوس أنجلوس" والذي أخرجه كورتيس هانسون ونالت بطلته كيم باسنجر جائزة أوسكار 1998 كأحسن ممثلة مساعدة عن دورها فيه والفيلم عن رواية للكاتب جيمس أيللروي ويدور عن فساد الشرطة بمدينة لوس أنجلوس في مطلع الخمسينيات من هذا القرن.
وقد انتهى سباسي مؤخراً من تصوير المشاهد الخاصة في فيلم "منتصف الليل في حديقة الخير والشر" إخراج كلينت آيستوود وبدأ تصوير فيلم الجديد "المفاوض".
إن سباسي يعد ممثلاً محترماً في مهنته وهو الأكثر حماسة من بين جيله فهو يجعلك تلمح الهوة العميقة في نفس الشخصية التي يمثلها وذلك بنظرة لحظية خاطفة.. وببرود في نظرة عينيها البنيتين الدافئتين. إن القدرة على أداء ذلك التناقض تنتقل للمشاهدين بطريقة حاذقة وماهرة يدركونها، ولكن دون أن يشعروا كيف أدركوها

  بقلم : على نبوي عبد العزيز
 

السبت، 18 يونيو 2016

صورة نكسة يونيو 1967 فى السينما العربية



أحدثت هزيمة 1967 زلزالاً قويا هز كل الأعمدة التي يستند إليها المجتمع المصري العظيم.. والتي لم تتحمل بنيته الضعيفة قوة الهزة. كما وجد النظام نفسه في مأزق حقيقي بعد خمسة عشر عاما ظل يردد خلالها شعارات الانتصار والإنجازات ــ ولا يستطيع أي منصف أن يتجاهل تلك الإنجازات التي تحققت خلال تلك الفترة كبداية لمشروع تحديثي وطني قومي ــ ومع ازدياد السخط العام والضغط الشعبي، قُدم المسئولون عن أحداث الطيران في 5 يونيو إلى المحكمة العسكرية العليا، التي أصدرت أحكامها في العشرين من فبراير عام 1968 والتي بلغت قدراً من التهاون في الأحكام، مما تسبب في اندلاع مظاهرات الطلبة وثورة الشباب. احتجاجا على الأحكام الهزيلة في القضية. والمطالبة بالتحقيق في أسباب الهزيمة.. وبدأت بعض الكتابات تندّد بالفساد الإداري في أجهزة الدولة والجيش..وسادت الدعوة إلى مراجعة كل شيء والمطالبة بفتح ملفات هذا النظام.. وتصفية الحسابات القديمة والجديدة.. فبدأت تفرض الأسئلة نفسها.. ماذا حدث؟.. ولماذا حدث؟.. ومن المسئول؟

أسئلة كثيرة وسط ضباب كثيف، وانفعالات حادة لم تكن كلها بالوضوح الكافي.. انعكس ذلك الجو العام على الفكر والأدب.. وكذا المسرح والسينما.. فقدم توفيق الحكيم عودة الوعي (ينفض يديه من الثورة ونظامها).. وقدم نجيب محفوظ سلسلة من الأعمال الناقدة لثورة يوليو وسلبياتها ابتداء من «السمان والخريف» ـ «ثرثرة فوق النيل» ــ «ميرامار» ــ «الحب تحت المطر» وحتي مجموعته الروائية القصيرة «تحت المظلة» التيجاءت كرد فعل لواقع الهزيمة.
على خشبة المسرح وقف الممثلون يهتفون يحيا الوفد يعلنون أن جمال عبد الناصر قد اغتصب الحكم، وهم أصحابه الشرعيون.. وكان الإخوان المسلمون يرون أن لا شيء يخلصهم من هذا المغتصب إلا السلطة الدينية (فيلم شيء من الخوف)..

أفلام وأفلام
إبان نكسة 5 يونيو 1967 ومع بداية مرحلة السبعينات من القرن العشرين ظهر عدد من السينمائيين الشباب العرب.. حاولوا خلق توازن حقيقي بداخلهم بين أن يكونوا جادين في تعاملهم مع واقع مجتمعهم اليومي وبين المتغيرات الحياتية التي أعقبت النكسة.. وما شاب ذلك من تفكك وضياع جيل من المثقفين صدمتهم وقائع يونيو الحزينة.. وبدا أن هناك من يحاول أن يرفض نوع السينما التجارية السائدة. فظهرت تكوينات لجماعات سينمائية شتي.. ومحاولات فردية متعددة تحاول أن تعبر عن محنة الضياع والخروج من شرنقة تلك الهزيمة واستخدام لغة سينمائية راقية بعيدة عن الابتذال.. لإحساسهم بأن السينما سلاح خطير في تشكيل وتوجيه إنسان مجتمعاتهم. وإن السينما العربية بشكل عام لم تخدم القضية الوطنية، وبالتالي لم تخدم المجتمع العربي.
خارج مصر والتي سنرجيء الحديث عنها في نهاية المقال.. لم تكن هناك أية دولة عربية تملك مقومات صناعة الفيلم (ستوديوهات .. معامل طبع وتحميض .. صوت) إلى جانب افتقارهم إلى سوق لتوزيع وعرض أفلامهم.. يستثني من ذلك لبنان فهي الدولة العربية الأولي بعد مصر والتي شهدت مراحل من الازدهار في صناعة السينما وكل مقومات صناعة الفيلم.
في منتصف السبعينات تدفق إليها كثير من فناني السينما المصرية وكادت السينما المصرية تتعثر صناعتها من قلة الفنيين والفنانين بعد هجرة الكثير منهم وأُطلق حينذاك تعبير الطيور المهاجرة عليهم ــ وبالطبع ذلك لا ينفي وجود سينمات عربية أخري قدمت محاولات قليلة العدد تدور موضوعاتها عن الصراع العربي الإسرائيلي وأثر النكسة على مجتمعاتها.
فقدمت السينما السورية خمسة أفلام روائية طويلة من مجموع إنتاجها في حقبة السبعينات عن هزيمة يونيو 1967:
(رجال تحت الشمس) عام 1970 لثلاثة مخرجين هم: «محمد شاهين ومروان مؤذن، ونبيل المالح» والفيلم يتكون من ثلاث قصص تتناول جميعها موضوع العمل الفدائي الفلسطيني بعد هزيمة يونيو 1967.
(السكين) عام 1971 إخراج «خالد حمادة».
(المخدوعون) عام 1972 إخراج «توفيق صالح»، ويعد فيلم «المخدوعون» المأخوذ عن رواية (رجال في الشمس) للروائي المناضل الفلسطيني «غسان كنفاني» من أهم الأفلام في السينما العربية التي تناولت القضية الفلسطينية ومراحل الصراع العربي الإسرائيلي ــ من خلال طرح الموضوع في بانوراما شاملة بالوضع العربي بعد حرب 1956 مروراً بالنكسة ثم مرحلة ما بعد الهزيمة وتحليل واقع الصراع والكشف عن تفكك وغياب الهوية القومية والتنبؤ كذلك بمستقبل القضية الفلسطينية في ظل الصراع العربي الإسرائيلي وذلك برؤية ثاقبة تعي كنه هذا الصراع.
(الاتجاه المعاكس) عام 1975 إخراج «مروان حداد» الذي رصد وحلل المعاناة اليومية لمجموعة من الشباب في فترة ما بعد النكسة وانعكاس تلك المرحلة عليهم.
(الأحمر والأبيض والأسود) عام 1977 إخراج «بشير صافية» الذي تعرض فيه برصد أنماط وصور مختلفة من المجتمع السوري بين عام 1967 وحتي عام 1973 وكيف انقلبت المفاهيم في المجتمع السوري نتيجة احتلال جزء من أرضه.
وفي السينما المغربية دارت معظم موضوعات الأفلام عن مشاكل الأرض وهموم المواطن الذي يزرع تلك الأرض. وموضوعات أخري عن وضعية المرأة العربية.. الطفولة المشردة.. ووحدة الوطن والتهديدات وهذه الموضوعات هي جل الموضوعات المسيطرة والمهيمنة على السينما المغربية مثل أفلام:
(الحياة كفاح) عام 1968 إخراج «محمد التازي» و«أحمد المسناوي»
(شمس الربيع) عام 1969 إخراج «عبد اللطيف كلو»
(القنفودي) عام 1978 إخراج «نبيل كلو»
وفي السينما الجزائرية جاء معظم إنتاج مرحلة ما بعد النكسة يدور حول الموضوع المسيطر في الفيلم الجزائري حينذاك والذي يتحدث عن حرب التحرير الوطنية..والاستقلال.. ومقاومة الاحتلال الفرنسي.
لم ينتج في سينما الجزائر سوي فيلم واحد تعرض لهزيمة 1967 واحتلال إسرائيل للأراضي العربية، وذلك عام 1972 بعنوان (سنعود) من إخراج م. س. رياض.. وكما هو معروف فقد ساهمت الجزائر في إنتاج فيلمين للمخرج يوسف شاهين هما (العصفور) و(عودة الابن الضال).
كما شهدت السينما العراقية ازدهارًا في النصف الثاني من السبعينات بأفلام جادة تدور موضوعاتها عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.. وحياة المواطنين في كفاحهم للحفاظ على الأرض وزراعتها، منها:
«الظامئون» عام 1973 إخراج محمد شكري جميل
«الرأس» عام 1974 إخراج فيصل الياسري
ولكن بالنسبة لموضوع النكسة لم أرصد سوي فيلمين فقط تم إنتاجهما في السبعينات الأول بعنوان (النهر) إخراج (فيصل الياسري) إنتاج عام 1977. وتدور أحداثه في إحدي مدن الجنوب الصغيرة بالعراق في فترة ما بعد النكسة وأثرها في التحولات الاقتصادية والسياسية على قطاع محدد من الشعب العراقي وهم طبقة الحرفيين والصيادين والفيلم الثاني بعنوان (يوميات في ذلك الزقاق) إخراج «قاسم حول» وتدور أحداثه عن أوضاع العراق والأوضاع العربية في المرحلة التي سبقت قيام الثورة العراقية.. وكذا شاركت مؤسسة السينما في إنتاج فيلم (خطوة خطوة) للبنانية «رندا الشهال» وفي سينما الخليج العربي والسعودية.. بالرغم أننا نجدها أهم الأسواق السينمائية ولكن الإنتاج السينمائي فيها ضعيف للغاية ولم تشهد ظهور مخرجين طموحين إلا في السبعينات من أهمهم: الكويتي خالد الصديق الذي أخرج فيلمين «بس يا بحر» عام 1972 ــ أول فيلم روائي كويتي؟ ــ والثاني «عرس الزين».
وفي السعودية المخرج عبد الله المحيسن.
وفي سينما اليمن ــ السودان.. ليبيا ــ تونس هناك مؤسسات للسينما ولكن إنتاج تلك المؤسسات في تلك المرحلة كان يقتصر على الأفلام التسجيلية وقليل جدا من الأفلام الروائية الطويلة المحدودة القيمة.. والأقل من الأفلام الجادة ولكنها لا تتضمن موضوع النكسة ففي السينما السودانية جاء أول فيلم روائي طويل في تاريخ السينما بالسودان. عام 1970 بعنوان (آمال وأحلام) إخراج «إبراهيم الملس».
والمحاولة الثانية لصنع فيلم روائي طويل قام بها المخرج «أنور هاشم» الذي تخرج في المعهد العالي للسينما بالقاهرة وذلك لفيلم (شروق) عام 1974 وموضوعاهما لا علاقة لهما بالنكسة.
بالنسبة للسينما الليبية لم تعرف الإنتاج السينمائي القومي حتي قيام ثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969 عدا الجريدة التي كانت تصدرها الحكومة منذ عام 1955. ظهر أول الأشرطة الفيلمية التسجيلية الناجحة والتي تم تجميعها من خلال الجريدة التي كانت تصدر ومن تجميعها من بعض الشركات الأجنبية التي تعمل في مجال السينما والتي لديها ما كان يصوره الأجانب إبّان الاحتلال الإيطالي للبلاد.
فتم صنع فيلم (كفاح الشعب العربي الليبي ضد الاستعمار) الذي أُنتج عام 1973 ثم ظهرت بعد ذلك أفلام روائية طويلة وقصيرة مثل:
(انتفاضة شعب) عام 1971 إخراج أحمد الطوخي
(البيت الجديد) عام 1971 إخراج الهادي راشد وهو عن الثورة الزراعية
(الطريق) عام 1973 إخراج يوسف شعبان عن صعوبة الحياة في القري الجبلية والتي تبعد عن المدن وتخلو من كافة الخدمات العامة وتأثير قيام الثورة على أوجه الحياة في تلك القرية بعد إنشاء الطرق وتيسير تقديم الخدمات للمواطنين.
بالنسبة للسينما التونسية يعدُّ المخرج «عمار خليفي» هو رائد السينما الوطنية التونسية فبعد إخراجه للعديد من الأفلام القصيرة لحساب شركته الخاصة أخرج أول فيلم تونسي روائي طويل عام 1966 بعنوان (الفجر) قدم فيه صورا من الكفاح الشعبي ضد الاستعمار وضد الإقطاع ثم ظهرت بعد ذلك أفلام:
(مختار) عام 1968 إخراج «صادق بن عائشة»
(حكاية بسيطة كهذه) عام 1970 إخراج «عبد اللطيف بن عمار»
(.. وغدا) عام 1972 إخراج «إبراهيم باباي»
(رسائل من سجنان) عام 1974 إخراج «عبد اللطيف بن عمار»
وكلها أفلام كانت تدور موضوعاتها حول كفاح العمال في تونس قبل الاستقلال وقيمة الاستقلال السياسي والعدالة الاجتماعية.
أي لم تقترب من موضوع نكسة يونيو 1967 لا من قريب أو بعيد.

السينما اللبنانية
عرفت لبنان صناعة السينما في وقت متقارب مع السينما في كل من مصر (1927) وسوريا (1928) وذلك في عام (1929).
والغريب رغم تملك تلك السينما كل مقومات صناعة الأفلام التي نافست السينما المصرية في وقت ما ــ منتصف الستينيات وحتي منتصف السبعينيات ــ ووقوع المجتمع اللبناني تحت ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة للغاية وبالرغم من أن نكسة يونيو واحتلال إسرائيل للأراضي العربية وآثارها التي هزت الوطن العربي بأجمعه.. إلا أن السينما اللبنانية لم تتناول في أفلامها التي أنتجت في تلك المرحلة لا من قريب ولا من بعيد موضوع النكسة ولا حتي بالرمز أو الإسقاط.. وما تم صنعه من أفلام كان يدور حول موضوع بوليسي ساذج.. أو تهريب المخدرات.. أو تهريب السلاح.. أو قصص الحب الساذجة التناول كأفلام:
«قطط شارع الحمراء، القدر، ذئاب الحب، شروال وميني جيب. ذئاب لا تأكل اللحم.. سيدة الأقمار السوداء.. عصابة النساء.. ملكة الحب»
وإن كنا لا نغفل وجود محاولات جادة قليلة.. لم يكتب لها النجاح التجاري أمام السينما التجارية السائدة بالرغم من تقدير وإشادة النقاد بهذه المحاولات والتي تناولتها مثل (الغريب الصغير) إخراج «جورج نصر»، (إلى أين) «لجورج نصر»
(شباب تحت الشمس) إخراج «سمير نصري» (سلام بعد الموت) إخراج «جورج شمشوم» (القدر) إخراج «منير معاصري».
وفي بداية السبعينات ظهر جيل جديد من الشباب الدين درسوا السينما في أوروبا فصنعوا أفلاما جادة وجيدة ومن هؤلاء: «برهان علوية» الذي أخرج فيلمه الأول عام 1974 إنتاج مشترك مع سوريا بعنوان (كفر قاسم)
ويتناول الفيلم موضوع المذبحة التي حدثت في قرية كفر قاسم على أيدي القوات العسكرية الإسرائيلية ضد أبناء القرية في 28 أكتوبر 1956.
مارون بغدادي الذي أخرج فيلمه الأول «بيروت يا بيروت» عام 1975 عن جذور الحرب الأهلية التي اشتعلت في لبنان عام 1975.

السينما الفلسطينية
تعد (وحدة أفلام فلسطين) هي أول كيان سينمائي فلسطيني ظهر في عام 1968 وكانت تلك الوحدة تتبع منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) فقدمت العديد من الأفلام التسجيلية والقصيرة حاولت من خلالها التعبير عن الروح النضالية للشعب الفلسطيني وتمجيد ذلك في سبيل التحرر فاهتمت السينما الفلسطينية منذ البدء بتسجيل الحدث والتعليق عليه وتحليل أسبابه ونتائجه (كمشروع روجرز) 1969 وردود الفعل نحو المشروع وأحداث أيلول 1970 في الأردن وأحداث القصف الجوي الإسرائيلي الوحشي للمخيمات عام 1972. والهجمات العسكرية الإسرائيلية على الثورة الفلسطينية في جنوب لبنان 1972.
وقد قامت وحدة أفلام فلسطين بإنتاج أ'ول أفلامها الوثائقية عام 1969 بعنوان ( لا للحل السلمي) إخراج «مصطفي أبو على»
عن رد فعل الجماهير العربية على مشروع روجرز ــ ثم توالت أفلام: (بالروح بالدم) عام 1970 إخراج «مصطفي أبو على»
(عدوان صيهوني) عام 1973 إخراج «مصطفي أبو على» عن العدوان الصهيوني الإسرائيلي على مخيمات اللاجئين في سوريا ولبنان
(ليس لهم وجود) إخراج مصطفي أبو على عن حرب الإبادة الشرسة من العدو الإسرائيلي الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني
(ليلة فلسطينية)، و(حرب الأيام الأربعة) عام 1972 إخراج «سمير نمر» (على طريق النصر) عام 1975 إخراج «مصطفي أبو على».
في عام 1973 ساعدت وحدة أفلام فلسطين في إنشاء وتأسيس (جماعة السينما الفلسطينية) وقد شملت هذه الجماعة أعضاء كافة التنظميات الفلسطينية والسينمائيين التقدميين العرب، وانطلقت من هدف تجميع الجهود من أجل خلق سينما فلسطينية ترافق نضالات شعب فلسطين. وصنع الأفلام التي تبين وحشية العدو الصهيوني التي يمارسها ضد السكان العرب.. وتوثيق الأعمال السينمائية (أرشيف ومكتبة الفيلم) لأن الوثائق السينمائية المتعلقة بالقضية الفلسطينية كوثائق معاهدة سايكس بيكو ووعد بلفور ووثائق النضال الفلسطيني ضد الانتداب البريطاني والصهيونية ــ ووثائق الهجرة الصهيونية لفلسطين.. ووثائق عادية أخري عن فلسطين قبل 1948 واحتلال الأرض.. ووثائق عن المدن والزراعة والحياة العادية على أرض فلسطين.. كل هذه الوثائق تخدم بكفاءة عدالة القضية الفلسطينية وهي غير موجودة إلا في حوزة بعض الجهات الأجنبية كأرشيف الفيلم البريطاني وأرشيف وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين.
أما مؤسسة السينما الفلسطينية فلديها أرشيف كامل وشامل منذ عام 1968 وحتي الآن عن الثورة الفلسطينية.. وحتي هذا الأرشيف الموجود بحوزة المؤسسة أشك حاليا في وجوده بحالة سليمة خاصة بعد العدوان الإسرائيلي الغاشم الأخير منذ مارس الماضي من هذا العام والذي تم فيه تدمير معظم البنية الأساسية للدولة الفلسطينية وحصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسرعرفات لأكثر من عشرين يوما وتدمير جميع مكاتب السلطة الفلسطينية قبل فك الحصار عن عرفات.
والسينما الفلسطينية في مجملها سينما وثائقية / تسجيلية نضالية في المقام الأول ولم تقدم فيلما روائيا طويلا إلا في عام 1982 من إنتاج قسم السينما في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وهو فيلم (عائد إلى حيفا) من إخراج العراقي «قاسم حول» وما صنع بعد ذلك في معظمه إنتاج مشترك مع دول أوروبية والتي يعيش فيها مخرجو تلك الأفلام مثل فيلم (صور من مذكرات خصبة) عام 1980 إنتاج فلسطين / هولندا / بلجيكا إخراج «ميشيل خليفي» وفيلم (عرس الجليل) عام 1988. إنتاج فلسطيني / فرنسي/ بلجيكي من إخراج «ميشيل خليفي» الفلسطيني المقيم في بلجيكا.. وفيلم (حتي إشعار آخر) إنتاج 1993 فلسطيني مشترك مع هولندا ومن إخراج الفلسطيني «رشيد مشهراوي» المقيم بهولندا.

انقلاب الموازيين
بالنسبة للسينما المصرية كان متوقعا مع صدمة الأيام الستة في يونيو 1967 أن تنقلب الموازين في السينما المصرية، وأن يتنبه القطاع العام السينمائي (مؤسسة السينما) إلى دورة الحقيقي.. وأن يتبني ما نشأ وسط جيل من الشباب السينمائيين من رغبة حقيقية في التغيير وصنع سينما مصرية جادة وجيدة.. ولكن مع خوف الدولة من السينما ــ أو بمعني آخر خوفها من انتقال حرية التفكير والتعبير إلى الفيلم السينمائي الواسع الانتشار والمؤثر في أحيان كثيرة في توجيهات الرأي العام.. والذي من الممكن الطبيعي حينئذ أن يتطرق إلى الأفكار والمنجزات المطروحة على الساحة السياسية والاقتصادية في مصر الستينيات، مما قد يمس سمعة الثورة ورجالها ويحدث هزة في استقرار النظام.. وهو الأمر الذي لم يكن مباحا أو مرغوبا فيه.. إلا أن أبرز ما أسفرت عنه الهزيمة في ميدان السينما ــ هو إبداء رغبة النظام في تخفيف قبضته الحديدية فيما يتعلق بحرية التعبير في الأفلام.. بالطبع كنوع من التنفيس للغضب الكامن في النفوس، ولتتحول بعض النكات اللاذعة، والمحرمة في الشارع المصري إلى حوار مشروع على ألسنة أبطال الأفلام.. لكن تراث الخوف حال دون السينمائيين وبين القدرة الحقيقية على حرية التعبير.. فتعرضت بعض الأفلام في تلك المرحلة لمحاولات التأجيل والسماح بالعرض في سوابق لم تشهدها سينما الستينات من قبل.. وذلك إلى الحد الذي استلزم تدخل رئيس الدولة شخصيا لمشاهدة فيلم اُعترض عليه رقابيا (شيء من الخوف) للمخرج حسين كمال إنتاج عام 1969 ثم تم السماح بعرضه.
وكذلك تكوين لجنة برئاسة (أنور السادات) وعضوية (شعراوي جمعه) و«عبد المحسن أبو النور» و«حكمت أبو زيد» للنظر في أمر السماح بعرض فيلم (ميرامار) للمخرج «كمال الشيخ» عام 1969.. وذلك على سبيل المثال. في ذلك الإطار ظهرت أفلام تناولت بالنقد والإدانة للنماذج الانتهازية التي تجد في التسلق طريقا لتحقيق الآمال.. وغالبها غير مشروع مثل أفلام: (ميرامار)، (الرجل الذي فقد ظله)، و(المتمردون) للمخرج «توفيق صالح» الذي انتهي من صنعه عام 1966 وجاء مضمونه وكأنه كان يتنبأ بالهزيمة.. لذا لم يعرض الفيلم إلا عام 1968 بعد أن فرضت الرقابة نهاية مختلفة له توحي للمتفرج أن الأحداث حدثت قبل الثورة وانتهت معها. بينما أدانت بعض الأفلام نماذج المثقفين الانتهازيين، والمثقفين العاجزين الذين يقولون ما لا يفعلون.. واكتفوا بترديد الشعارات الرنانة.. وأصبح وجودهم بلا فائدة وذلك في أفلام:
(القضية 1968) للمخرج «صلاح أبو سيف» (ميرامار) للمخرج «كمال الشيخ» (المتمردون) للمخرج «توفيق صالح».
كما ترددت تيمة الرشوة والكسب الحرام خاصة داخل القطاع الحكومي وإدانة موظفي القطاع العام المتحالفين مع رموز القطاع الخاص لنهب أموال الدولة دون وازع من ضمير.. واتخاذ العمل السياسي مجالا للنصب والاحتيال والتعالي.. ففي هذا السياق جاءت أفلام: (العيب) عام 1967 للمخرج «جلال الشرقاوي».. و(المخربون) عام 1967 للمخرج «كمال الشيخ» و(ميرامار) عام 1969 للمخرج «كمال الشيخ».
ومثلما تناول «حسين كمال» في فيلمه (شيء من الخوف) عام 1969. مسألة الديموقراطية ووجهها الآخر للديكتاتورية وما يصحب الأخيرة من بطش وإرهاب.. جاء التناول حول تزييف الديموقراطية ووأدها منذ بداية الطريق إليها في فيلم المخرج «توفيق صالح» (يوميات نائب في الأرياف) عام 1969.
ومع نهاية الستينات شهدت سينما الهزيمة في جانب آخر منها موجة من الأفلام الكوميدية ركيكة المستوي. وبعض الأفلام الغنائية التي تطرح قيما مرفوضة.. وكانت التسلية وغياب الوعي عن الإحساس المر الذي خلفته الهزيمة.. والتهدئة النفسية للمشاعر المرهقة أحد الأهداف غير المعلنة في ذلك الوقت.. فكانت الأفلام تحمل عناوين من عينة: «غازية من سنباط، أخطر رجل في العالم، شنطة حمزة، شهر عسل بدون إزعاج، شنبو في المصيدة، مراتي مجنونة، نشال رغم أنفه، العتبة جزاز، لصوص لكن ظرفاء، رضا بوند، زوجة لخمسة رجال،، باحبك ياحلوة. حرامي الورقة، انت اللي قتلت بابايا، حواء والقرد، 6 بنات وعريس، بئر الحرمان، فتاة الاستعراض، سكرتير ماما، دلع البنات، شارع الملاهي، كيف تتخلص من زوجتك، ربع دستة أشرار، للمتزوجين فقط، مطاردة غرامية، يوم واحد عسل، بابا عايز كده، كيف تسرق مليونير، أكاذيب حواء، أنا ومراتي والجو».
وتشير عناوين تلك الأفلام إلى مضمونها التجاري من ناحية.. ووجودها المكثف كتيار قوي سائد في السينما المصرية إبان فترة النكسة من ناحية أخري والغريب أنه رغم الهزيمة والمناخ المأساوي الذي كانت تمر به البلاد عقب النكسة وتعالي الصيحات المتناثرة مطالبة بإعادة النظر وترتيب الأوراق.. إلا أن السينما التجارية السائدة ظلت تواصل نشاطها بنجاح.. ربما لأن الهزيمة لعبت دوراً غير مباشر في انصراف الجمهور عن الأفلام السياسية والأفلام الجادة.. والتي قد تذكرهم بها.. وبأوضاعهم المتردية.. فمثلا من 39 فيلما تم إنتاجهم عام 1968 لن نجد سوي أربعة أفلام فقط جادة وهي:
(البوسطجي) لحسين كمال و(القضية 68) لصلاح أبو سيف.
(قنديل أم هاشم) لكمال عطية و(الرجل الذي فقد ظله) لكمال الشيخ.
وبالرغم من ذلك نلاحظ أن أيا من تلك الأفلام الأربعة لم يتعرض للهزيمة ربما لشدة الصدمة.. أو بسبب الشعار الذي رفعه النظام آنذاك لتجنب الحديث عن أسباب النكسة.. وهو شعار [لا صوت يعلو على صوت المعركة].
هكذا انتهت سنوات الستينات دون إشارة واحدة من السينما المصرية لأهم حدث في ستينات القرن العشرين.. وبقيت الهزيمة العسكرية عام 1967 في منأي عن تناول سينما الستينات..وذلك بالطبع لأنه لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب من عمق الجرح القومي النازف.
بدت قيمة استرداد الأرض كثمن لكرامة الوطنية تعلو في النفوس وترسخ ذلك أكثر من خلال الفن السينمائي الذي واكب في حينه عرض فيلم «يوسف شاهين» (الأرض) عام 1970.
والذي تناول تيمة أهمية الأرض/ الوطن وأهمية التمسك بها وضرورة الدفاع عنها دون انتظار لحلول قادمة من الخارج والطريق لتحقيق ذلك هو التضامن والوقوف يدا واحدة ــ الأمر الذي تحقق في حرب «أكتوبر 1973» وحقق الانتصار العظيم ــ وهو الأمر الذي يؤكد عليه يوسف شاهين من خلال المشهد الختامي للفيلم ونحن نري «محمد أبو سويلم تجره خيول السلطة/ الاحتلال لترك الأرض ويده متشبثة بقوة بالأرض لا تريد تركها إطلاقا ولو استمرت يداه تنزف حتي آخر قطرة من دمه» وكما مثلت الهزيمة العسكرية في 1967 الضوء الأخضر الذي أبرزته الحكومة حينذاك كجواز مرور لبعض الأفلام.. مثلت حركة «ثورة التصحيح» في 15 مايو عام 1971 في بداية السبعينات الضوء الأخضر لهذه الحقبة لتناول ممارسات نظام الستينات بالنقد والهجوم فبدأت ملامح ثقافة جديدة تحاول بحث أسباب الهزيمة، وتلمس محاولات الخلاص ــ فبدأ عرض عدد من الأفلام يتعرض للنكسة أو بالتحديد لمظاهر مجتمع النكسة في مصر وذلك في أفلام مثل:
(الاختيار) (الناس والنيل) (العصفور) وهي من إخراج «يوسف شاهين» أيضا ظهرت ملامح لسينما جديدة تشكلت على أيدي مجموعة من السينمائيين والتي أعلن عن تكوينها في عام 1968 باسم (جماعة السينما الجديدة) وقد تم صنع فيلمين في إطار الإنتاج المشترك مع مؤسسة السينما المصرية في عام 1971 الأول (أغنية على الممر) للمخرج «على عبد الخالق» عام 1971. وهو عن رواية مسرحية للكاتب «على سالم».. والفيلم جاد وجيد ويعد من أول الأفلام التي تناولت نكسة يونيو 1967 ولكن بدون أن يحلل الوضع السياسي والأسباب التي أدت إلى الهزيمة.. ولكنه حمل بداخله الدعوة إلى حتمية الصمود والتحدي للعبور من حالة النكسة التي تجثم على الصدور حتي يتحقق النصر.
والفيلم الثاني لهذه المجموعة حمل عنوان (ظلال في الجانب الآخر) للمخرج الفلسطيني «غالب شعث» الذي تناول فيه الواقع المصري قبل 1967 مباشرة والأزمة تجتاح مجموعة من الشباب إبان النكسة. وقد منعته السلطة من العرض ثم سمحت بعرضه بعد أربع سنوات وبعد حذف مشاهد منه أي بعد انتصار أكتوبر.
وفي الناحية الأخري كانت هناك أفلام لم تتجاوز السينما السائدة التجارية وقد أطلق عليها النقاد (سينما التجارة بالنكسة) بالرغم من جودة العمل الفني من جميع النواحي الفنية بخلاف الأفكار السطحية التي جاءت في بعضها والبعض الآخر كان تعبيرا عن فكر تجار الفن من هذه الأفلام:
(ثرثرة على النيل) عام 1971 (الخوف) عام 1972 (حمام الملاطيلي) عام 1973 (مدينة الصمت) عام 1973.
بالإضافة لسينما التخدير والغرائز الحسية.. وحياة العاهرات والراقصات ظهرت أفلام مثل: (دلال المصرية، امتثال، بنت بديعة، خلّي بالك من زوزو» وكلها من إخراج الراحل حسن الإمام.
وكذا أفلام: «آدم والنساء، ولد وبنت والشيطان، الشيطان امرأة، حكاية بنت اسمها مرمر، عماشة في الأدغال، الشيطان والخريف، أشرف خاطئة، امرأة سيئة السمعة، العاطفة والجسد، جنون المراهقات، ملكة الليل، الحب المحرم، الحب والفلوس، البنات والمرسيدس، نساء الليل».
وفي السينما السائدة نجد أفلاما ساذجة التناول تعرضت لمجتمع ما قبل حرب أكتوبر.. أي مجتمع الهزيمة كمقدمة لنصر أكتوبر المجيد فكان تعرضا هزيلا، اعتمد في معظمه سواء على عناوين للصحف تتراءي على الشاشة لكي نعلم كمشاهدين ما تم خلال الزمن الفيلمي من أحداث تاريخية ــ معظم داعمي تلك السينما عاصروها جيدا ــ أو بكلمات عابرة على ألسنة الناس/ الشخصيات في تلك الأفلام..وذلك دون أن نلمح للهزيمة أثرا في النفوس.. كما لم تظهر مقدمات لحرب أكتوبر ولا إلى حتمية حدوثها.. وإنما نراها قد وقعت في جل تلك الأفلام فجأة ومتأخرة في نهاية الفصل الأخير من الفيلم.. كما اختلطت أحداث الحب والحرب مع كثير من توابل السينما التجارية المعروفة أغاني، رقصات وكثير من مشاهد الابتذال والتعري وتنتهي أيضا تلك الأفلام بنهايات تكاد تكون متوقعة من الجمهور ــ الدائم لتلك السينما ــ منذ البداية.. مما يؤكد لنا رغبة صانعي تلك الأفلام في ترويجها والكسب من ورائها واستغلال حدث أكتوبر كعنصر جذب للجمهور فقط.. فلم تنجح فيما كان يجب أن يكون الهدف من صنعها.. وهو الإحساس بالفخر والاعتزاز.. من جراء تحقيق الانتصار على العدو الإسرائيلي.. واستيعاب معاني الوطنية والفداء والتضحية.. والعبور من حالة الهزيمة إلى حالة الانتصار والوعي العميق بأكتوبر كقيمة من قيم الشرف والكرامة والعظمة
------------------------
نشرت لى هذه الدراسة لاول مرة بمجلة سطـور عدد شهر يونيو 2002

الأربعاء، 6 أبريل 2016

ظل صانع الفيلم


ظل صانع الفيلم

The Shadow of The Film Maker

ان مصطلح - صناعة الفيلم الوثائقى
Documentary Film Making
يتضمن القدرة على رؤية العالم من خلال بلايين الجماجم - الادمغة فى نفس الوقت
ومن ثم الحصول على وثيقة بصرية تقوم على اساس وجهة النظر المشتركة
ولكن لاننا محصورين طوال حياتنا داخل جدران دماغنا الوحيدة ليس بامكاننا ان نفعل ذلك الانفصال لرؤيتا عن الانا
فبينما ارى رجلا عجوزا لاحول ولا قوة نازلا على سلالم منزله فى الصباح الباكر انت على العكس قد تفسر نفس المشهد
على انه صعلوك عجوز يترك المنزل من اجل ان يقوم باعمال شريرة بين البشر
قبل ان تسنح لهم الفرصة ليتاهبوا لمواجهة هذا العالم
كل شىء من وجهه نظر المراقب) كما همست امرأة عجوز وهى تقبل وتداعب كلابها الصغيرة صباحا وكأنها تلقى عليهم تحية الصباح )
ان الفيلم الوثائقى دائما ما يسخر من اسمه لانه ينزع بوضوح الى الدخول فى منطقة الرواية
وبالطبع يمكن للسيد الشريف (الفيلم الوثائقى ) ان يبرر هذا الانتهاك بادعائه ان ينتقم من السيد الشريف - الفيلم الروائى
الذى يتجاوز حدوده دائما ويدخل منطقة الوثائقى
يا لهما من زوج / ثنائى غريب دائما يدخلان فى نقاش لاينتهى حول ايهما يصف الواقع بدقة ويعكس الصور التى تتصارع داخل جمجمتيهما
ومن ثم قررت منذ فنرة بعيدة ان انظر الى كليهما كعاشقين اتحدا ثم نتيجة قدرتهما المشتركة عملا على تكثيف ما يبدو لهما جميلا فى تجربتهما الحياتية الخاصة

لايوجد شيئا اسمه صناعة الفيلم الوثائقى :

فحتى كاميرات المراقبة فى محلات السوبر ماركت والبنوك التى تتجسس على العملاء تنقل الحقيقة كما ترى ( من خلال رؤية عين واحدة ) من داخل
ذاتيتنا الخاصة نمزج القطع المرئية المتناثرة من العالم مع مشاعرنا وامالنا ومخاوفنا وتخيلاتنا
مثل الموسيقى فالصور المرئية تمثل نسقا شعوريا خالصا ولا يمكن ادراك جمال صناعة الفيلم الا من خلال فهم تلك الحقيقة
وان حاولت ان تجعل من عقلك مرآة لوجه العالم المفتوح فستخلق طبقة ثالثة ليست لها علاقة بالوقائع الحقيقية
ولكنها وثيقة الارتباط بالرغبة الكامنة فى مشاركة الافكار الداخلية للمرء فى جانب معين منتقى من الحياة
ان العامل الحاسم ليس الدقة ولكن الامانة وربما لو شوهنا الوقائع ومن ثم انجرفنا الى ارض الخيال والكذب الصريح قد تنتهى
بالقرب من الحقيقة وذلك يعنى شيئا ما بالنسبة لحياة آناس آخرين
فلنرحب بالكاذبين طالما كانت رغبتنا الشعورية فى سرد حكايتنا رغبة حقيقية

الافلام الوثائقية لايجب ان تحترم نفسها :

منذ ان ادركت ان صناعة الفيلم الوثائقى امرا شديد الذاتية كثيرا ما ادهشتنى تلك النظافة الموجودة فى العديد من افلامنا
ولشد ما افتقد الافلام التى صنعها اناس وليس قديسين اناس قد تعذبهم الغيرة والكراهية والجشع والشهوة ويستطيعون ان يعطوا
لتلك المشاعر المتدفقة روحا وبعدا بصريا يمكن ان يشتركوا فيه مع جزء مرموق من الجمهور
بيد ان عندما نتكلم عن الوثائقيين / التسجيليين يظن صناع الافلام لسبب لاادريه ان عليهم ان يكونوا على قمة الجبل ليعظوا
حول فضيله ان تفعل الشىء الصحيح بدلا من ان يعانوا حقا من االذهنية التى يصورونها
ان التزامنا الوحيد تجاه عالم الاخلاقيات هو الامانة والفضول الحقيقى لمعرفة الحياة
فنحن لسنا قضاه ولا نظار مدارس ولا كهنة ولا صحافيين وليس علينا بالضرورة ان نكون اكثر حكمة من اولئك الذين
يقفون امام الكاميرا وان ندعى اننا افضل منهم
فمن الممكن ان نكون مذنبون كجحيم ونتفوق كصناع افلام طالما ظلت ايدينا مطلقة الحرية كى تبدع
ان الفن والسلوك الحسن / الجيد غرباء ولايمكن ان يلتقيا فلقاؤهما يعنى الدمار المشترك

ثمة ظل قوى دائما من داخلنا على موضوعاتنا :

علينا ان نحافظ فى عقولنا دائما بان ما سنراه على الشاشة هو الطريقة التى طبخنا بها شخصياتنا امام عدسات الكاميرا
فنحن نغير العالم وسكانه كى يتوائما مع الصورة الذهنية التى نسقطها على الواقع
وبالطبع نجن نكشف انفسنا كما نكشف ابطالنا سريعا وربما نكشف وربما نكشف عن انفسنا اكثر
ولاتوجد علاقة حتمية بين مضمون الفيلم وبين شخصياته متى انتهى الفيلم وانفصلت تلك الشخصيات عن السياق الذى خلقناه للعالم بحرص شديد
لكن يظل صانع الفيلم لاعبا اساسيا رئيسيا فى النهائية
وحتى لو كان الكثير من صناع الافلام خجولين ولايرغبون فى دخول دائرة الاضواء ستحمل افلامنا انوفا مكسورة لو كانت انوفنا مكسورة
وليس بوسعنا الا ان نفرض انفسنا على العالم امام كاميراتنا والحمد لله على هذا
فالشخص الذى لايملك بصمات اصابع ان هو الا انسان ألى
Robot
وعلى قدر علمى لم تصنع الاناس الالية افلاما حتى الان


اعداد وترجمة
على نبوى عبد العزيز
ناقد سينمائى سكندرى
-------------------------

هوامش
كاتب المقال المخرج الدانمركى : يون بانج كارلسون
http://www.imdb.com/name/nm0051894/?ref_=fn_al_nm_1
Jon Bang Carlsen
فى نشرة مهرجان البلطيق السينمائى السادس



الجمعة، 27 نوفمبر 2015

إحتفالية للناقد السينمائي الراحل إبراهيم الدسوقي في أتيلييه الأسكندرية

يتشرف اتيليه الاسكندرية بدعوة سيادتكم لحضور احتفالية الناقد السينمائى الراحل ابراهيم الدسوقى مؤسس جماعة الفن السابع يوم الجمعة الموافق 27 نوفمبر 2015 فى السادسة والنصف مساءا بحضور : الناقد: سمير فريد / المخرج والناقد السينمائى: د محمد كامل القليوبى / الناقد: صلاح هاشم واعضاء ومؤسسى جماعة الفن السابع بالاسكندرية :الناقد: احمد الحفناوى / الناقد: سامى حلمى / الناقد :على نبوى مع توزيع كتاب تذكارى عنه باقلام اصدقاؤه ومحبيه و اعداد سامى حلمى تصميم معتز الصفتى

الخميس، 13 أغسطس 2015

داود عبد السيد الكيت كات واسطورة الرجل الضرير

‏‎ ولد المخرج داود عبد السيد فى 22نوفمبر 1946 وتخرج من المعهد العالى للسينما قسم اخراج عام 1967 ثم عين بمؤسسة السينما المصرية عمل فى البداية مساعدا للاخراج فى افلام الرجل الذى فقد ظله مع كمال الشيخ الارض مع يوسف شاهين اوهام الحب مع ممدوح شكرى ثم انتقل الى المركز القومى للافلام التسجيلية عام 1970 فقام باخراج فيلم رقصة من البحيرة عام 1972 وهو فقرة من مجلة مصر اليوم ثم قام باخراج فيلم تعمير مدن القناة من انتاج وزارة التعمير والاسكان عام 1974 ثم اخرج فيلم وصية رجل حكيم فى شئون القرية والتعليم عام 1976 وقد ظهر حسه الفنى العالى بوضوح فى هذا الفيلم وكذلك اسلوبه الرائع فى طريقة طرحه لهموم واقع القرية ثم اخرج فيلمين العمل فى الحقل عن الفنان التشكيلى حسن سليمان و فيلم عن الانبياء والقديسين والفنانين عن اعمال وحياة الفنان التشكيلى راتب صديق قدم اول افلامه الروائية الطويلة بعد ثمانية عشر عاما من تخرجه من المعهد العالى للسينما فكان الصعاليك عام 1985 وقد تناول من خلاله تيمة المكاسب المادية الهائلة التى تتحقق عن طريق اساليب غير مشروعة من خلال سنوات الانفتاح الاقتصادى عبر رحلة صعود الصاليك من قاع المجتمع المصرى الى القمة فى لغة سينمائية شديدة التأثير ضمن تيار سينمائى جديد سمى الواقعية الجديدة فى السينما المصرية ثم جاء فيلمه الثانى الروائى الطويل بعد توقف خمس سنوات البحث عن سيد مرزوق عام 1991 عن رؤية متعددة الابعاد للقاهرة 90 والصراع الطبقى فى المجتمع المصرى والعلاقة بين الشعب والسلطة من ناحية اخرى أنه تعبير سينمائى خالص عما اطلقه عليه الدكتور مصطفى سويف الاكتئاب القومى فى مصر حيث لايعرف الناس هل هم أغنياء ام فقراء فى حالة حرب ام فى حالة سلم ومن هذا التلاحم العضوى بين رؤية الفنان واسلوبه فى التعبير عنه ويأتى بعد ذلك فيلمه الروائى الثالث الكيت كات عام 1991 معتمدا فيه على رواية ادبية من اهم الروايات فى الادب المصرى المعاصر وهى رواية مالك الحزين لابراهيم اصلان فيحقق من خلالها المعادلة الصعبة بين الفن الراقى الذى يخاطب الوجدان ويغزى العقول والفن الجماهيرى الممتع دونما اى ابتذال او مداعبة للغرائز الجنسية مما يتيحه العمل الروائى والاجواء التى تدور فيها الاحداث ولكن داود عبد السيد تجاوز الاطر السينمائية الموروثة من السينما التجارية عند تناوله لرواية مالك الحزين مثلما تجاوز بطل الكيت كات ذلك الواقع الذى يعيش فيه كما سنرى ذلك يبدو استيعاب داود عبد السيد لعالم ابراهيم اصلان واضح اشد الوضوح ويبدو ذلك فى تصويره للحارة المصرية بادق تفاصيلها التى نستنشق منها عبق التاريخ فى كل لقطة من لقطات الفيلم كما يبدو ذلك فى المشاهد التى تحتوى على النماذج البشرية الموجودة فى الحارة التى تستشعر بانها شخصيات حية مثل المعلم عطية - عثمان عبد المنعم - صاحب المقهى الذى يرضخ لتهديدات تاجر الدواجن المعلم صبحى الذى يريد ان يهدم البيت القديم الذى باعه الشيخ حسنى - محمود عبد العزيز - لتاجر المخدرات المعلم الهرم - نجاح الموجى - ليبنى مكانه عمارة جديدة كبيرة كذلك شخصية فاطمة - عايدة رياض - المرأة التى هجرها زوجها وتعشق الشاب يوسف - شريف منير - نجل الشيخ حسنى الضرير والذى يراوده حلم السفر للخارج ليحقق ذاته وتذهب الى احد اضرحة اولياء الله الصالحين لتدعو بأن يتحقق لها حبه منها انه الايمان بمعجزات الاولياء الصالحين فى زمن لم يعد للمعجزات وجود الا فى عقول بعض البشر انه فى النهاية الضعف الانسانى بكل معانيه كذلك هناك فى الفيلم شخصية مأساوية مهمة وقد جسد هذه الشخصية المأساوية باقتدار عظيم شخصية الجواهرجى سليمان الفنان - احمد كمال - الذى تأتى مأساته من هروب زوجته روايح لاسباب تأتى على لسانه فى مشهد من اجمل المشاهد التى جاءت بالفيلم مشهد تناوله البيرة فى خمارة الحى مع بعض الاصدقاء فيروى لهم حكايته مع زوجته - الممثلة جيهان نصر - لكنه ينسبها لصديق له متيسر الحال ايضا مثله اكتشف بعد خمسة عشر عاما من الزواج انه لم يتناول مع زوجته اى حوار ولم يكن يشاركها الا الطعام والشراب والفراش فقط فتذمرت من ذلك الوضع فأعطاها علقة ساخنة مشيت بعدها مثل الساعة فردد اصدقاء الجواهرجى سليمان بأنسجام شديد بأنه رجل جدع صحيح وبهذه الصورة المأساوية تتضح أبعاد شخصية سليمان الجواهرجى التى أجادها بأقتدار شديد الفنان - احمد كمال - التى تعانى ذلك الخواء الروحى وتفتقر حرية القرار فهى شخصية عاجزة عن تغيير واقعها المأساوى فقد استسلمت لعجزها وبذلك تكون هذه الشخصية العاجزة هى المعادل الدرامى لشخصية الشيخ حسنى الضرير - محمود عبد العزيز - الذى كان أعمى البصر ولكنه لم يكن أعمى البصيرة وتأتى شخصية الشيخ حسنى الضرير فى الفيلم لتذكرنا بشخصية العراف الضرير - تيريزياس - فى الاساطير اليونانية القديمة التى تقول انه الرجل الحكيم والعراف المقدس الذى يكشف امامه الماضى والمستقبل واستطلاع الغيب حيث تشتد حدة البصيرة عنده فى تخطى الرؤية البصرية وكما كان تيريزياس نصيرا لكل اعمى ومعين لفاقدى البصر كان الشيخ حسنى كذلك ويأتى مشهد الكفيف الشيخ عبيد - على حسانين - الذى يطلب المعونة لعبور الطريق فيتقدم لمساعدته الشيخ حسنى ويصطحبه دون ان يخبره بعجزه ويقيم معه صداقه من نوع مثير لم نعهده فى السينما المصرية طوال تاريخها يصطحب الشيخ حسنى الشيخ عبيد الى دار عرض سينمائى فى مشهد من اجمل مشاهد الفيلم و فى جو أشبه بالحواديت والاساطير ويتأكد ذلك من خلال اللقطات المعروضه للفيلم المعروض بدار العرض وهو Clash Of The Titans (1981) والذى سمى تجاريا جحيم الجبابرة يحكى الشيخ حسنى من خياله حكايات مختلفه تماما لما يحدث فى الفيلم المعروض ولكن بصورة اكثر سحرا وجمالا حتى ان المتفرجين المحيطين به يدهشون لهذا الجو الذى يخلقه الشيخ حسنى وهو يروى للشيخ عبيد فيمرر احدهم يديه امام عينيه للتأكد من كونه ضرير ام مبصر فيدرك انه ضرير فيبتسم وكما يحدث عادة فى دور العرض يطلب الشيخ حسنى من الجالس امامه الانخفاض قليلا حتى يستطيع الرؤية قائلا : انا مثلك معى تذكرة تماما كما يحدث لى ولك نحن المبصرين ثم ينصت المتفرجون من حوله لحكاياته الخرافية التى هى أشد سحرا من مشاهد الفيلم المعروض جحيم الجبابرة وللدلاله على ذلك يختار المبدع داود عبد السيد من الفيلم مشهد الجواد الاسطورى ذى الاجنحة ليعطينا بذلك صورة لما يخلقه الشيخ حسنى من حكايات تفوق فى سحرها سحر الاسطورة المعروضة وفى مشهد من اجمل المشاهد التى جاءت ايضا بالفيلم يعطينا داود عبد السيد جرعة كبيرة لمحاولة من محاولات الشيخ الضرير حسنى لتجاوز محنته فنراه يصطحب الشيخ عبيد فى نزهة نيلية وفى مشهد بالغ التأثير نرى القارب وهما بداخله والشيخ حسنى يحرك المجداف لاعلى واسفل محدثا صوتا قويا ونرى القارب لايتحرك من مكانه ويستطيع الشيخ حسنى خلق وهما جميلا بانهما توغلا بعيدا فى النهر حتى يحدث ان يتم سقوطهما بواسطة احد اعوان ناجر الدواجن -الممثل عثمان عبد المنعم - فى احدى محاولاته للضغط على الشيخ حسنى لترك الدكان الذى يملكه وخاصة بعد ان وضع لوحة يعلن بها عن افتتاح نشاط تجارى بالمحل وهى حيله ذكية منه لرفع سعر المحل تماما كما يفعل الاذكياء من التجار وقد اتت تلك الحيلة بثمارها بعد ذلك يتم انتشالهما من النيل بعد سقوطهما وهنا يعرف الشيخ عبيد من منقذيهما بأن الشيخ حسنى ضرير مثله فيضحك من شدة المفارقة ويفيق من الوهم الجميل الذى خلقه الشيخ حسنى عن كونه غير ضرير ثم يأتى مشهد العزاء لمأتم عم مجاهد بائع الفول - الممثل احمد سامى عبد الله - فيبدو داود عبد السيد فى هذا المشهد أكثر استيعابا لتراث السينما العالمية فقد عقد الكثير من نقاد السينما مقارنة بين هذا المشهد وبين ومشهد الجنس المذاع عبر الميكروفون فى فيلم M.A.S.H (1970) Dir: Robert Altman ماش للمخرج الامريكى روبرت التمان الذى علق فيه ميكروفون بالمعسكر الخاص بالمستشفى الميدانى العسكرى الامريكى وتم فتح جهاز الميكروفون فى غفلة من احد الجنود واحدى الممرضات وهما فى غرفة العمليات الجراحية يمارسان الجنس فيتم فضح كل ما يدور بينهما على الملآ فى المعسكر فى مشهد ساخر جدا نرى فى الكيت كات عامل الميكروفون يبدو عليه الارهاق وينام بجوار الميكروفون تاركا أياه مفتوحا يتم ذلك فى عدة لقطات موحية بأن ما سوف يحدث له لم يكن مقصودا فيحدث هنا فعلا ما يشبه الكارثة بسبب نوم العامل فيجاهر الشيخ حسنى بما يشبه المحاكمة العلنية لمعظم اهالى الحى فيتم كشف المستور ويظهر الكل على حقيقته بضعفه الانسانى وبكل ما يحمل من معانى غير اصيلة من خلال الميكروفون دون ان يدرى بأن ذلك مذاع على الهواء مباشرة ثم يأتى المشهد الختامى عندما يخرج الشيخ حسنى وابنه يوسف - شريف منير - من النيل بعد سقوطهما بالدراجة البخارية فى محاولته الثانية للسير بها فى شوارع القاهرة المزدحمة وفوق الكبارى فيقول يوسف لوالده الشيخ حسنى : انت ليه يا ابى مش عايز تعترف انك اعمى فيرد عليه والده الشيخ حسنى : انا بأشوف احسن منك فى النور وفى الضلمة كمان ثم يحتضن ابنه يوسف فى حنان ابوى شديد ويبدأن فى غناء وترديد كلمات بالتأكيد يقصد داود عبد السيد ان يوجهها لنا يمكن نلاقى الغلابة فى أول الصفوف فى دعوة من المخرج على لسان الشيخ الضرير الى العاجزين والمقهورين للعمل على تجاوز عالمهم الحزين وعجزهم الانسانى عبر اسطورة الشيخ حسنى فمن المعروف والمتفق عليه ان الاساطير والخرافات بعوالمها الغريبة واشخاصها منفصلة تماما عن عالمنا الزمنى وان تكن تؤثر دائما فى حياتنا وهذا ما رأيناه من الشيخ حسنى فى الكيت كات فهل تتحقق نبوءة الرجل الضرير
بقلم على نبوى