السبت، 18 يونيو 2016
صورة نكسة يونيو 1967 فى السينما العربية
أحدثت هزيمة 1967 زلزالاً قويا هز كل الأعمدة التي يستند إليها المجتمع المصري العظيم.. والتي لم تتحمل بنيته الضعيفة قوة الهزة. كما وجد النظام نفسه في مأزق حقيقي بعد خمسة عشر عاما ظل يردد خلالها شعارات الانتصار والإنجازات ــ ولا يستطيع أي منصف أن يتجاهل تلك الإنجازات التي تحققت خلال تلك الفترة كبداية لمشروع تحديثي وطني قومي ــ ومع ازدياد السخط العام والضغط الشعبي، قُدم المسئولون عن أحداث الطيران في 5 يونيو إلى المحكمة العسكرية العليا، التي أصدرت أحكامها في العشرين من فبراير عام 1968 والتي بلغت قدراً من التهاون في الأحكام، مما تسبب في اندلاع مظاهرات الطلبة وثورة الشباب. احتجاجا على الأحكام الهزيلة في القضية. والمطالبة بالتحقيق في أسباب الهزيمة.. وبدأت بعض الكتابات تندّد بالفساد الإداري في أجهزة الدولة والجيش..وسادت الدعوة إلى مراجعة كل شيء والمطالبة بفتح ملفات هذا النظام.. وتصفية الحسابات القديمة والجديدة.. فبدأت تفرض الأسئلة نفسها.. ماذا حدث؟.. ولماذا حدث؟.. ومن المسئول؟
أسئلة كثيرة وسط ضباب كثيف، وانفعالات حادة لم تكن كلها بالوضوح الكافي.. انعكس ذلك الجو العام على الفكر والأدب.. وكذا المسرح والسينما.. فقدم توفيق الحكيم عودة الوعي (ينفض يديه من الثورة ونظامها).. وقدم نجيب محفوظ سلسلة من الأعمال الناقدة لثورة يوليو وسلبياتها ابتداء من «السمان والخريف» ـ «ثرثرة فوق النيل» ــ «ميرامار» ــ «الحب تحت المطر» وحتي مجموعته الروائية القصيرة «تحت المظلة» التيجاءت كرد فعل لواقع الهزيمة.
على خشبة المسرح وقف الممثلون يهتفون يحيا الوفد يعلنون أن جمال عبد الناصر قد اغتصب الحكم، وهم أصحابه الشرعيون.. وكان الإخوان المسلمون يرون أن لا شيء يخلصهم من هذا المغتصب إلا السلطة الدينية (فيلم شيء من الخوف)..
أفلام وأفلام
إبان نكسة 5 يونيو 1967 ومع بداية مرحلة السبعينات من القرن العشرين ظهر عدد من السينمائيين الشباب العرب.. حاولوا خلق توازن حقيقي بداخلهم بين أن يكونوا جادين في تعاملهم مع واقع مجتمعهم اليومي وبين المتغيرات الحياتية التي أعقبت النكسة.. وما شاب ذلك من تفكك وضياع جيل من المثقفين صدمتهم وقائع يونيو الحزينة.. وبدا أن هناك من يحاول أن يرفض نوع السينما التجارية السائدة. فظهرت تكوينات لجماعات سينمائية شتي.. ومحاولات فردية متعددة تحاول أن تعبر عن محنة الضياع والخروج من شرنقة تلك الهزيمة واستخدام لغة سينمائية راقية بعيدة عن الابتذال.. لإحساسهم بأن السينما سلاح خطير في تشكيل وتوجيه إنسان مجتمعاتهم. وإن السينما العربية بشكل عام لم تخدم القضية الوطنية، وبالتالي لم تخدم المجتمع العربي.
خارج مصر والتي سنرجيء الحديث عنها في نهاية المقال.. لم تكن هناك أية دولة عربية تملك مقومات صناعة الفيلم (ستوديوهات .. معامل طبع وتحميض .. صوت) إلى جانب افتقارهم إلى سوق لتوزيع وعرض أفلامهم.. يستثني من ذلك لبنان فهي الدولة العربية الأولي بعد مصر والتي شهدت مراحل من الازدهار في صناعة السينما وكل مقومات صناعة الفيلم.
في منتصف السبعينات تدفق إليها كثير من فناني السينما المصرية وكادت السينما المصرية تتعثر صناعتها من قلة الفنيين والفنانين بعد هجرة الكثير منهم وأُطلق حينذاك تعبير الطيور المهاجرة عليهم ــ وبالطبع ذلك لا ينفي وجود سينمات عربية أخري قدمت محاولات قليلة العدد تدور موضوعاتها عن الصراع العربي الإسرائيلي وأثر النكسة على مجتمعاتها.
فقدمت السينما السورية خمسة أفلام روائية طويلة من مجموع إنتاجها في حقبة السبعينات عن هزيمة يونيو 1967:
(رجال تحت الشمس) عام 1970 لثلاثة مخرجين هم: «محمد شاهين ومروان مؤذن، ونبيل المالح» والفيلم يتكون من ثلاث قصص تتناول جميعها موضوع العمل الفدائي الفلسطيني بعد هزيمة يونيو 1967.
(السكين) عام 1971 إخراج «خالد حمادة».
(المخدوعون) عام 1972 إخراج «توفيق صالح»، ويعد فيلم «المخدوعون» المأخوذ عن رواية (رجال في الشمس) للروائي المناضل الفلسطيني «غسان كنفاني» من أهم الأفلام في السينما العربية التي تناولت القضية الفلسطينية ومراحل الصراع العربي الإسرائيلي ــ من خلال طرح الموضوع في بانوراما شاملة بالوضع العربي بعد حرب 1956 مروراً بالنكسة ثم مرحلة ما بعد الهزيمة وتحليل واقع الصراع والكشف عن تفكك وغياب الهوية القومية والتنبؤ كذلك بمستقبل القضية الفلسطينية في ظل الصراع العربي الإسرائيلي وذلك برؤية ثاقبة تعي كنه هذا الصراع.
(الاتجاه المعاكس) عام 1975 إخراج «مروان حداد» الذي رصد وحلل المعاناة اليومية لمجموعة من الشباب في فترة ما بعد النكسة وانعكاس تلك المرحلة عليهم.
(الأحمر والأبيض والأسود) عام 1977 إخراج «بشير صافية» الذي تعرض فيه برصد أنماط وصور مختلفة من المجتمع السوري بين عام 1967 وحتي عام 1973 وكيف انقلبت المفاهيم في المجتمع السوري نتيجة احتلال جزء من أرضه.
وفي السينما المغربية دارت معظم موضوعات الأفلام عن مشاكل الأرض وهموم المواطن الذي يزرع تلك الأرض. وموضوعات أخري عن وضعية المرأة العربية.. الطفولة المشردة.. ووحدة الوطن والتهديدات وهذه الموضوعات هي جل الموضوعات المسيطرة والمهيمنة على السينما المغربية مثل أفلام:
(الحياة كفاح) عام 1968 إخراج «محمد التازي» و«أحمد المسناوي»
(شمس الربيع) عام 1969 إخراج «عبد اللطيف كلو»
(القنفودي) عام 1978 إخراج «نبيل كلو»
وفي السينما الجزائرية جاء معظم إنتاج مرحلة ما بعد النكسة يدور حول الموضوع المسيطر في الفيلم الجزائري حينذاك والذي يتحدث عن حرب التحرير الوطنية..والاستقلال.. ومقاومة الاحتلال الفرنسي.
لم ينتج في سينما الجزائر سوي فيلم واحد تعرض لهزيمة 1967 واحتلال إسرائيل للأراضي العربية، وذلك عام 1972 بعنوان (سنعود) من إخراج م. س. رياض.. وكما هو معروف فقد ساهمت الجزائر في إنتاج فيلمين للمخرج يوسف شاهين هما (العصفور) و(عودة الابن الضال).
كما شهدت السينما العراقية ازدهارًا في النصف الثاني من السبعينات بأفلام جادة تدور موضوعاتها عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.. وحياة المواطنين في كفاحهم للحفاظ على الأرض وزراعتها، منها:
«الظامئون» عام 1973 إخراج محمد شكري جميل
«الرأس» عام 1974 إخراج فيصل الياسري
ولكن بالنسبة لموضوع النكسة لم أرصد سوي فيلمين فقط تم إنتاجهما في السبعينات الأول بعنوان (النهر) إخراج (فيصل الياسري) إنتاج عام 1977. وتدور أحداثه في إحدي مدن الجنوب الصغيرة بالعراق في فترة ما بعد النكسة وأثرها في التحولات الاقتصادية والسياسية على قطاع محدد من الشعب العراقي وهم طبقة الحرفيين والصيادين والفيلم الثاني بعنوان (يوميات في ذلك الزقاق) إخراج «قاسم حول» وتدور أحداثه عن أوضاع العراق والأوضاع العربية في المرحلة التي سبقت قيام الثورة العراقية.. وكذا شاركت مؤسسة السينما في إنتاج فيلم (خطوة خطوة) للبنانية «رندا الشهال» وفي سينما الخليج العربي والسعودية.. بالرغم أننا نجدها أهم الأسواق السينمائية ولكن الإنتاج السينمائي فيها ضعيف للغاية ولم تشهد ظهور مخرجين طموحين إلا في السبعينات من أهمهم: الكويتي خالد الصديق الذي أخرج فيلمين «بس يا بحر» عام 1972 ــ أول فيلم روائي كويتي؟ ــ والثاني «عرس الزين».
وفي السعودية المخرج عبد الله المحيسن.
وفي سينما اليمن ــ السودان.. ليبيا ــ تونس هناك مؤسسات للسينما ولكن إنتاج تلك المؤسسات في تلك المرحلة كان يقتصر على الأفلام التسجيلية وقليل جدا من الأفلام الروائية الطويلة المحدودة القيمة.. والأقل من الأفلام الجادة ولكنها لا تتضمن موضوع النكسة ففي السينما السودانية جاء أول فيلم روائي طويل في تاريخ السينما بالسودان. عام 1970 بعنوان (آمال وأحلام) إخراج «إبراهيم الملس».
والمحاولة الثانية لصنع فيلم روائي طويل قام بها المخرج «أنور هاشم» الذي تخرج في المعهد العالي للسينما بالقاهرة وذلك لفيلم (شروق) عام 1974 وموضوعاهما لا علاقة لهما بالنكسة.
بالنسبة للسينما الليبية لم تعرف الإنتاج السينمائي القومي حتي قيام ثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969 عدا الجريدة التي كانت تصدرها الحكومة منذ عام 1955. ظهر أول الأشرطة الفيلمية التسجيلية الناجحة والتي تم تجميعها من خلال الجريدة التي كانت تصدر ومن تجميعها من بعض الشركات الأجنبية التي تعمل في مجال السينما والتي لديها ما كان يصوره الأجانب إبّان الاحتلال الإيطالي للبلاد.
فتم صنع فيلم (كفاح الشعب العربي الليبي ضد الاستعمار) الذي أُنتج عام 1973 ثم ظهرت بعد ذلك أفلام روائية طويلة وقصيرة مثل:
(انتفاضة شعب) عام 1971 إخراج أحمد الطوخي
(البيت الجديد) عام 1971 إخراج الهادي راشد وهو عن الثورة الزراعية
(الطريق) عام 1973 إخراج يوسف شعبان عن صعوبة الحياة في القري الجبلية والتي تبعد عن المدن وتخلو من كافة الخدمات العامة وتأثير قيام الثورة على أوجه الحياة في تلك القرية بعد إنشاء الطرق وتيسير تقديم الخدمات للمواطنين.
بالنسبة للسينما التونسية يعدُّ المخرج «عمار خليفي» هو رائد السينما الوطنية التونسية فبعد إخراجه للعديد من الأفلام القصيرة لحساب شركته الخاصة أخرج أول فيلم تونسي روائي طويل عام 1966 بعنوان (الفجر) قدم فيه صورا من الكفاح الشعبي ضد الاستعمار وضد الإقطاع ثم ظهرت بعد ذلك أفلام:
(مختار) عام 1968 إخراج «صادق بن عائشة»
(حكاية بسيطة كهذه) عام 1970 إخراج «عبد اللطيف بن عمار»
(.. وغدا) عام 1972 إخراج «إبراهيم باباي»
(رسائل من سجنان) عام 1974 إخراج «عبد اللطيف بن عمار»
وكلها أفلام كانت تدور موضوعاتها حول كفاح العمال في تونس قبل الاستقلال وقيمة الاستقلال السياسي والعدالة الاجتماعية.
أي لم تقترب من موضوع نكسة يونيو 1967 لا من قريب أو بعيد.
السينما اللبنانية
عرفت لبنان صناعة السينما في وقت متقارب مع السينما في كل من مصر (1927) وسوريا (1928) وذلك في عام (1929).
والغريب رغم تملك تلك السينما كل مقومات صناعة الأفلام التي نافست السينما المصرية في وقت ما ــ منتصف الستينيات وحتي منتصف السبعينيات ــ ووقوع المجتمع اللبناني تحت ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة للغاية وبالرغم من أن نكسة يونيو واحتلال إسرائيل للأراضي العربية وآثارها التي هزت الوطن العربي بأجمعه.. إلا أن السينما اللبنانية لم تتناول في أفلامها التي أنتجت في تلك المرحلة لا من قريب ولا من بعيد موضوع النكسة ولا حتي بالرمز أو الإسقاط.. وما تم صنعه من أفلام كان يدور حول موضوع بوليسي ساذج.. أو تهريب المخدرات.. أو تهريب السلاح.. أو قصص الحب الساذجة التناول كأفلام:
«قطط شارع الحمراء، القدر، ذئاب الحب، شروال وميني جيب. ذئاب لا تأكل اللحم.. سيدة الأقمار السوداء.. عصابة النساء.. ملكة الحب»
وإن كنا لا نغفل وجود محاولات جادة قليلة.. لم يكتب لها النجاح التجاري أمام السينما التجارية السائدة بالرغم من تقدير وإشادة النقاد بهذه المحاولات والتي تناولتها مثل (الغريب الصغير) إخراج «جورج نصر»، (إلى أين) «لجورج نصر»
(شباب تحت الشمس) إخراج «سمير نصري» (سلام بعد الموت) إخراج «جورج شمشوم» (القدر) إخراج «منير معاصري».
وفي بداية السبعينات ظهر جيل جديد من الشباب الدين درسوا السينما في أوروبا فصنعوا أفلاما جادة وجيدة ومن هؤلاء: «برهان علوية» الذي أخرج فيلمه الأول عام 1974 إنتاج مشترك مع سوريا بعنوان (كفر قاسم)
ويتناول الفيلم موضوع المذبحة التي حدثت في قرية كفر قاسم على أيدي القوات العسكرية الإسرائيلية ضد أبناء القرية في 28 أكتوبر 1956.
مارون بغدادي الذي أخرج فيلمه الأول «بيروت يا بيروت» عام 1975 عن جذور الحرب الأهلية التي اشتعلت في لبنان عام 1975.
السينما الفلسطينية
تعد (وحدة أفلام فلسطين) هي أول كيان سينمائي فلسطيني ظهر في عام 1968 وكانت تلك الوحدة تتبع منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) فقدمت العديد من الأفلام التسجيلية والقصيرة حاولت من خلالها التعبير عن الروح النضالية للشعب الفلسطيني وتمجيد ذلك في سبيل التحرر فاهتمت السينما الفلسطينية منذ البدء بتسجيل الحدث والتعليق عليه وتحليل أسبابه ونتائجه (كمشروع روجرز) 1969 وردود الفعل نحو المشروع وأحداث أيلول 1970 في الأردن وأحداث القصف الجوي الإسرائيلي الوحشي للمخيمات عام 1972. والهجمات العسكرية الإسرائيلية على الثورة الفلسطينية في جنوب لبنان 1972.
وقد قامت وحدة أفلام فلسطين بإنتاج أ'ول أفلامها الوثائقية عام 1969 بعنوان ( لا للحل السلمي) إخراج «مصطفي أبو على»
عن رد فعل الجماهير العربية على مشروع روجرز ــ ثم توالت أفلام: (بالروح بالدم) عام 1970 إخراج «مصطفي أبو على»
(عدوان صيهوني) عام 1973 إخراج «مصطفي أبو على» عن العدوان الصهيوني الإسرائيلي على مخيمات اللاجئين في سوريا ولبنان
(ليس لهم وجود) إخراج مصطفي أبو على عن حرب الإبادة الشرسة من العدو الإسرائيلي الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني
(ليلة فلسطينية)، و(حرب الأيام الأربعة) عام 1972 إخراج «سمير نمر» (على طريق النصر) عام 1975 إخراج «مصطفي أبو على».
في عام 1973 ساعدت وحدة أفلام فلسطين في إنشاء وتأسيس (جماعة السينما الفلسطينية) وقد شملت هذه الجماعة أعضاء كافة التنظميات الفلسطينية والسينمائيين التقدميين العرب، وانطلقت من هدف تجميع الجهود من أجل خلق سينما فلسطينية ترافق نضالات شعب فلسطين. وصنع الأفلام التي تبين وحشية العدو الصهيوني التي يمارسها ضد السكان العرب.. وتوثيق الأعمال السينمائية (أرشيف ومكتبة الفيلم) لأن الوثائق السينمائية المتعلقة بالقضية الفلسطينية كوثائق معاهدة سايكس بيكو ووعد بلفور ووثائق النضال الفلسطيني ضد الانتداب البريطاني والصهيونية ــ ووثائق الهجرة الصهيونية لفلسطين.. ووثائق عادية أخري عن فلسطين قبل 1948 واحتلال الأرض.. ووثائق عن المدن والزراعة والحياة العادية على أرض فلسطين.. كل هذه الوثائق تخدم بكفاءة عدالة القضية الفلسطينية وهي غير موجودة إلا في حوزة بعض الجهات الأجنبية كأرشيف الفيلم البريطاني وأرشيف وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين.
أما مؤسسة السينما الفلسطينية فلديها أرشيف كامل وشامل منذ عام 1968 وحتي الآن عن الثورة الفلسطينية.. وحتي هذا الأرشيف الموجود بحوزة المؤسسة أشك حاليا في وجوده بحالة سليمة خاصة بعد العدوان الإسرائيلي الغاشم الأخير منذ مارس الماضي من هذا العام والذي تم فيه تدمير معظم البنية الأساسية للدولة الفلسطينية وحصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسرعرفات لأكثر من عشرين يوما وتدمير جميع مكاتب السلطة الفلسطينية قبل فك الحصار عن عرفات.
والسينما الفلسطينية في مجملها سينما وثائقية / تسجيلية نضالية في المقام الأول ولم تقدم فيلما روائيا طويلا إلا في عام 1982 من إنتاج قسم السينما في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وهو فيلم (عائد إلى حيفا) من إخراج العراقي «قاسم حول» وما صنع بعد ذلك في معظمه إنتاج مشترك مع دول أوروبية والتي يعيش فيها مخرجو تلك الأفلام مثل فيلم (صور من مذكرات خصبة) عام 1980 إنتاج فلسطين / هولندا / بلجيكا إخراج «ميشيل خليفي» وفيلم (عرس الجليل) عام 1988. إنتاج فلسطيني / فرنسي/ بلجيكي من إخراج «ميشيل خليفي» الفلسطيني المقيم في بلجيكا.. وفيلم (حتي إشعار آخر) إنتاج 1993 فلسطيني مشترك مع هولندا ومن إخراج الفلسطيني «رشيد مشهراوي» المقيم بهولندا.
انقلاب الموازيين
بالنسبة للسينما المصرية كان متوقعا مع صدمة الأيام الستة في يونيو 1967 أن تنقلب الموازين في السينما المصرية، وأن يتنبه القطاع العام السينمائي (مؤسسة السينما) إلى دورة الحقيقي.. وأن يتبني ما نشأ وسط جيل من الشباب السينمائيين من رغبة حقيقية في التغيير وصنع سينما مصرية جادة وجيدة.. ولكن مع خوف الدولة من السينما ــ أو بمعني آخر خوفها من انتقال حرية التفكير والتعبير إلى الفيلم السينمائي الواسع الانتشار والمؤثر في أحيان كثيرة في توجيهات الرأي العام.. والذي من الممكن الطبيعي حينئذ أن يتطرق إلى الأفكار والمنجزات المطروحة على الساحة السياسية والاقتصادية في مصر الستينيات، مما قد يمس سمعة الثورة ورجالها ويحدث هزة في استقرار النظام.. وهو الأمر الذي لم يكن مباحا أو مرغوبا فيه.. إلا أن أبرز ما أسفرت عنه الهزيمة في ميدان السينما ــ هو إبداء رغبة النظام في تخفيف قبضته الحديدية فيما يتعلق بحرية التعبير في الأفلام.. بالطبع كنوع من التنفيس للغضب الكامن في النفوس، ولتتحول بعض النكات اللاذعة، والمحرمة في الشارع المصري إلى حوار مشروع على ألسنة أبطال الأفلام.. لكن تراث الخوف حال دون السينمائيين وبين القدرة الحقيقية على حرية التعبير.. فتعرضت بعض الأفلام في تلك المرحلة لمحاولات التأجيل والسماح بالعرض في سوابق لم تشهدها سينما الستينات من قبل.. وذلك إلى الحد الذي استلزم تدخل رئيس الدولة شخصيا لمشاهدة فيلم اُعترض عليه رقابيا (شيء من الخوف) للمخرج حسين كمال إنتاج عام 1969 ثم تم السماح بعرضه.
وكذلك تكوين لجنة برئاسة (أنور السادات) وعضوية (شعراوي جمعه) و«عبد المحسن أبو النور» و«حكمت أبو زيد» للنظر في أمر السماح بعرض فيلم (ميرامار) للمخرج «كمال الشيخ» عام 1969.. وذلك على سبيل المثال. في ذلك الإطار ظهرت أفلام تناولت بالنقد والإدانة للنماذج الانتهازية التي تجد في التسلق طريقا لتحقيق الآمال.. وغالبها غير مشروع مثل أفلام: (ميرامار)، (الرجل الذي فقد ظله)، و(المتمردون) للمخرج «توفيق صالح» الذي انتهي من صنعه عام 1966 وجاء مضمونه وكأنه كان يتنبأ بالهزيمة.. لذا لم يعرض الفيلم إلا عام 1968 بعد أن فرضت الرقابة نهاية مختلفة له توحي للمتفرج أن الأحداث حدثت قبل الثورة وانتهت معها. بينما أدانت بعض الأفلام نماذج المثقفين الانتهازيين، والمثقفين العاجزين الذين يقولون ما لا يفعلون.. واكتفوا بترديد الشعارات الرنانة.. وأصبح وجودهم بلا فائدة وذلك في أفلام:
(القضية 1968) للمخرج «صلاح أبو سيف» (ميرامار) للمخرج «كمال الشيخ» (المتمردون) للمخرج «توفيق صالح».
كما ترددت تيمة الرشوة والكسب الحرام خاصة داخل القطاع الحكومي وإدانة موظفي القطاع العام المتحالفين مع رموز القطاع الخاص لنهب أموال الدولة دون وازع من ضمير.. واتخاذ العمل السياسي مجالا للنصب والاحتيال والتعالي.. ففي هذا السياق جاءت أفلام: (العيب) عام 1967 للمخرج «جلال الشرقاوي».. و(المخربون) عام 1967 للمخرج «كمال الشيخ» و(ميرامار) عام 1969 للمخرج «كمال الشيخ».
ومثلما تناول «حسين كمال» في فيلمه (شيء من الخوف) عام 1969. مسألة الديموقراطية ووجهها الآخر للديكتاتورية وما يصحب الأخيرة من بطش وإرهاب.. جاء التناول حول تزييف الديموقراطية ووأدها منذ بداية الطريق إليها في فيلم المخرج «توفيق صالح» (يوميات نائب في الأرياف) عام 1969.
ومع نهاية الستينات شهدت سينما الهزيمة في جانب آخر منها موجة من الأفلام الكوميدية ركيكة المستوي. وبعض الأفلام الغنائية التي تطرح قيما مرفوضة.. وكانت التسلية وغياب الوعي عن الإحساس المر الذي خلفته الهزيمة.. والتهدئة النفسية للمشاعر المرهقة أحد الأهداف غير المعلنة في ذلك الوقت.. فكانت الأفلام تحمل عناوين من عينة: «غازية من سنباط، أخطر رجل في العالم، شنطة حمزة، شهر عسل بدون إزعاج، شنبو في المصيدة، مراتي مجنونة، نشال رغم أنفه، العتبة جزاز، لصوص لكن ظرفاء، رضا بوند، زوجة لخمسة رجال،، باحبك ياحلوة. حرامي الورقة، انت اللي قتلت بابايا، حواء والقرد، 6 بنات وعريس، بئر الحرمان، فتاة الاستعراض، سكرتير ماما، دلع البنات، شارع الملاهي، كيف تتخلص من زوجتك، ربع دستة أشرار، للمتزوجين فقط، مطاردة غرامية، يوم واحد عسل، بابا عايز كده، كيف تسرق مليونير، أكاذيب حواء، أنا ومراتي والجو».
وتشير عناوين تلك الأفلام إلى مضمونها التجاري من ناحية.. ووجودها المكثف كتيار قوي سائد في السينما المصرية إبان فترة النكسة من ناحية أخري والغريب أنه رغم الهزيمة والمناخ المأساوي الذي كانت تمر به البلاد عقب النكسة وتعالي الصيحات المتناثرة مطالبة بإعادة النظر وترتيب الأوراق.. إلا أن السينما التجارية السائدة ظلت تواصل نشاطها بنجاح.. ربما لأن الهزيمة لعبت دوراً غير مباشر في انصراف الجمهور عن الأفلام السياسية والأفلام الجادة.. والتي قد تذكرهم بها.. وبأوضاعهم المتردية.. فمثلا من 39 فيلما تم إنتاجهم عام 1968 لن نجد سوي أربعة أفلام فقط جادة وهي:
(البوسطجي) لحسين كمال و(القضية 68) لصلاح أبو سيف.
(قنديل أم هاشم) لكمال عطية و(الرجل الذي فقد ظله) لكمال الشيخ.
وبالرغم من ذلك نلاحظ أن أيا من تلك الأفلام الأربعة لم يتعرض للهزيمة ربما لشدة الصدمة.. أو بسبب الشعار الذي رفعه النظام آنذاك لتجنب الحديث عن أسباب النكسة.. وهو شعار [لا صوت يعلو على صوت المعركة].
هكذا انتهت سنوات الستينات دون إشارة واحدة من السينما المصرية لأهم حدث في ستينات القرن العشرين.. وبقيت الهزيمة العسكرية عام 1967 في منأي عن تناول سينما الستينات..وذلك بالطبع لأنه لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب من عمق الجرح القومي النازف.
بدت قيمة استرداد الأرض كثمن لكرامة الوطنية تعلو في النفوس وترسخ ذلك أكثر من خلال الفن السينمائي الذي واكب في حينه عرض فيلم «يوسف شاهين» (الأرض) عام 1970.
والذي تناول تيمة أهمية الأرض/ الوطن وأهمية التمسك بها وضرورة الدفاع عنها دون انتظار لحلول قادمة من الخارج والطريق لتحقيق ذلك هو التضامن والوقوف يدا واحدة ــ الأمر الذي تحقق في حرب «أكتوبر 1973» وحقق الانتصار العظيم ــ وهو الأمر الذي يؤكد عليه يوسف شاهين من خلال المشهد الختامي للفيلم ونحن نري «محمد أبو سويلم تجره خيول السلطة/ الاحتلال لترك الأرض ويده متشبثة بقوة بالأرض لا تريد تركها إطلاقا ولو استمرت يداه تنزف حتي آخر قطرة من دمه» وكما مثلت الهزيمة العسكرية في 1967 الضوء الأخضر الذي أبرزته الحكومة حينذاك كجواز مرور لبعض الأفلام.. مثلت حركة «ثورة التصحيح» في 15 مايو عام 1971 في بداية السبعينات الضوء الأخضر لهذه الحقبة لتناول ممارسات نظام الستينات بالنقد والهجوم فبدأت ملامح ثقافة جديدة تحاول بحث أسباب الهزيمة، وتلمس محاولات الخلاص ــ فبدأ عرض عدد من الأفلام يتعرض للنكسة أو بالتحديد لمظاهر مجتمع النكسة في مصر وذلك في أفلام مثل:
(الاختيار) (الناس والنيل) (العصفور) وهي من إخراج «يوسف شاهين» أيضا ظهرت ملامح لسينما جديدة تشكلت على أيدي مجموعة من السينمائيين والتي أعلن عن تكوينها في عام 1968 باسم (جماعة السينما الجديدة) وقد تم صنع فيلمين في إطار الإنتاج المشترك مع مؤسسة السينما المصرية في عام 1971 الأول (أغنية على الممر) للمخرج «على عبد الخالق» عام 1971. وهو عن رواية مسرحية للكاتب «على سالم».. والفيلم جاد وجيد ويعد من أول الأفلام التي تناولت نكسة يونيو 1967 ولكن بدون أن يحلل الوضع السياسي والأسباب التي أدت إلى الهزيمة.. ولكنه حمل بداخله الدعوة إلى حتمية الصمود والتحدي للعبور من حالة النكسة التي تجثم على الصدور حتي يتحقق النصر.
والفيلم الثاني لهذه المجموعة حمل عنوان (ظلال في الجانب الآخر) للمخرج الفلسطيني «غالب شعث» الذي تناول فيه الواقع المصري قبل 1967 مباشرة والأزمة تجتاح مجموعة من الشباب إبان النكسة. وقد منعته السلطة من العرض ثم سمحت بعرضه بعد أربع سنوات وبعد حذف مشاهد منه أي بعد انتصار أكتوبر.
وفي الناحية الأخري كانت هناك أفلام لم تتجاوز السينما السائدة التجارية وقد أطلق عليها النقاد (سينما التجارة بالنكسة) بالرغم من جودة العمل الفني من جميع النواحي الفنية بخلاف الأفكار السطحية التي جاءت في بعضها والبعض الآخر كان تعبيرا عن فكر تجار الفن من هذه الأفلام:
(ثرثرة على النيل) عام 1971 (الخوف) عام 1972 (حمام الملاطيلي) عام 1973 (مدينة الصمت) عام 1973.
بالإضافة لسينما التخدير والغرائز الحسية.. وحياة العاهرات والراقصات ظهرت أفلام مثل: (دلال المصرية، امتثال، بنت بديعة، خلّي بالك من زوزو» وكلها من إخراج الراحل حسن الإمام.
وكذا أفلام: «آدم والنساء، ولد وبنت والشيطان، الشيطان امرأة، حكاية بنت اسمها مرمر، عماشة في الأدغال، الشيطان والخريف، أشرف خاطئة، امرأة سيئة السمعة، العاطفة والجسد، جنون المراهقات، ملكة الليل، الحب المحرم، الحب والفلوس، البنات والمرسيدس، نساء الليل».
وفي السينما السائدة نجد أفلاما ساذجة التناول تعرضت لمجتمع ما قبل حرب أكتوبر.. أي مجتمع الهزيمة كمقدمة لنصر أكتوبر المجيد فكان تعرضا هزيلا، اعتمد في معظمه سواء على عناوين للصحف تتراءي على الشاشة لكي نعلم كمشاهدين ما تم خلال الزمن الفيلمي من أحداث تاريخية ــ معظم داعمي تلك السينما عاصروها جيدا ــ أو بكلمات عابرة على ألسنة الناس/ الشخصيات في تلك الأفلام..وذلك دون أن نلمح للهزيمة أثرا في النفوس.. كما لم تظهر مقدمات لحرب أكتوبر ولا إلى حتمية حدوثها.. وإنما نراها قد وقعت في جل تلك الأفلام فجأة ومتأخرة في نهاية الفصل الأخير من الفيلم.. كما اختلطت أحداث الحب والحرب مع كثير من توابل السينما التجارية المعروفة أغاني، رقصات وكثير من مشاهد الابتذال والتعري وتنتهي أيضا تلك الأفلام بنهايات تكاد تكون متوقعة من الجمهور ــ الدائم لتلك السينما ــ منذ البداية.. مما يؤكد لنا رغبة صانعي تلك الأفلام في ترويجها والكسب من ورائها واستغلال حدث أكتوبر كعنصر جذب للجمهور فقط.. فلم تنجح فيما كان يجب أن يكون الهدف من صنعها.. وهو الإحساس بالفخر والاعتزاز.. من جراء تحقيق الانتصار على العدو الإسرائيلي.. واستيعاب معاني الوطنية والفداء والتضحية.. والعبور من حالة الهزيمة إلى حالة الانتصار والوعي العميق بأكتوبر كقيمة من قيم الشرف والكرامة والعظمة
------------------------
نشرت لى هذه الدراسة لاول مرة بمجلة سطـور عدد شهر يونيو 2002
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق