صورة الشخصية العربية الفلسطينية فى السينما الإسرائيلية
ستون عاما من تزييف الصورة ومحاولات طمس الهوية
دراسة بقلم/ على نبوى عبد العزيز
مقدمة:
كان هدف الحركة الصهيونية قبل إنشاء دولة إسرائيل إثبات أن لليهود حقا تاريخيا في فلسطين، ودعوة يهود العالم للهجرة إليها، حتى يستقروا في أرضها – أرض العسل واللبن – ويتم إنقاذهم من الشتات الذي يلاقونه في معظم أنحاء العالم.
وقد استمر هذا الهدف أيضا بعد إنشاء إسرائيل. ولذا بدأت الحركة الصهيونية في التخطيط العملي للدور الذي يمكن أن تقوم به السينما سواء التسجيلية أو الدعائية، لخدمة أغراض الحركة الصهيونية، وذلك عقب مؤتمر (بـال) الصهيوني الذي عقد في سويسرا عام 1897، وإلى الآن.
وقد كان التخطيط عند إنتاج الأفلام يتم طبقا لمتطلبات المراحل الزمنية التي تمر بها الحركة الصهيونية، وذلك لخدمة أهداف كل مرحلة من مراحل الصراع العربي الصهيوني، على امتداد خمسين عاما مضت.
وتنقسم السينما الصهيونية قبل إنشاء إسرائيل إلى قسمين:
الأول: الأفلام التي تم إنتاجها على أرض فلسطين عقب مؤتمر (بـال) الصهيوني وحتى عام 1917 حين إعلان "وعد بلفور"
الثاني: الأفلام التي تم إنتاجها على أرض فلسطين منذ إعلان "وعد بلفور" حتى عام 1948 حيث تم إعلان إنشاء دولة إسرائيل رسميا.
في القسم الأول كانت الأفلام تتضمن تعبيرا صريحا وصادقا عن محاولات الفكر الصهيوني في غزو الفكر العالمي، وصيغ الفكر الصهيوني بالطابع الآنسانى، مع شرح الجذور والصلات التاريخية والدينية التي تربط اليهود بفلسطين، باستخدام التوراة كمصدر رئيسي في محاولاتهم لتزييف الدين والحق باعتبار (التوراة اليهودية) كتب (سيدنا موسى) التي تحتوى على شريعته وتعاليمه، وقد أجمع العلماء المعاصرون على أنها ليست التوراة الأصلية، ولا علاقة لسيدنا (موسى) بها، وذلك يعنى أن اليهودية ديانة كهنوتية عنصرية بطبيعتها، وجوهرها، أساسها الخرافات والأباطيل التوراتية وكتبها من تأليف بشر، ويستحيل أن تصدر من أي مصدر ألهى، أو أن يدعو إليها نبي مرسل، وعند دراستها والتدقيق بها سنجد أنها بجميع أركانها من صنع بشر، وبالتحديد من صنع أولئك الكهنة الذين عملوا على تزييف الدين تحت ظروف معينة لاقوها في الشتات.
وقد كان أبرز هذه الأفلام، الفيلم الروائي الطويل "حياة اليهود في أرض الميعاد" إخراج يعقوب بن دوف عام 1912. وقد صور هذا الفيلم مجموعة من الآراء الصهيونية عن صلة اليهود بفلسطين، من خلال قصته التي تدور عن حياة التجمع العبرى في أرض الميعاد، والاحتفال باستقبال المهاجرين.
في القسم الثاني اتخذت الأفلام الطابع الدعائي لفكرة الوطن القومي اليهودي في فلسطين، ومحاولة تثبيت الوعي القومي بالحق الديني والتاريخي من خلال المنظور الديني، واستخدام التوراة كمصدر رئيسي للعقيدة اليهودية، لتخدم أغراضا سياسية أنية ومستقبلية في آن واحد. مع ترديد قصص "الهولوكست" بالتأكيد على الآلام اليهودية وما لاقوه من تعذيب واضطهاد وخصوصا في سنوات الحرب العالمية الثانية على أيدي جيش الغازي، بهدف إثارة حالات الشفقة والتعاطف الانسانى لدى الشعوب، حول القضايا اليهودية من جهة، وإبراز عقدة الاضطهاد إذا خرجوا عن النهج الصهيوني من جهة ثانية، والترويج فنيا وإعلاميا وثقافيا لحق اليهود في أرض فلسطين من جهة ثالثة فبرزت الأفلام تؤكد تلك المفاهيم الصهيونية فأخرج يعقوب بن دوف عدة أفلام لتكرس تلك المزاعم منها:
يهودا المحررة عام 1918، أرض إسرائيل المحررة عام 1919، عودة صهيون عام 1921، الأبناء يبنون عام 1924، شباب في أرض إسرائيل عام 1926، عشر سنوات من تاريخ إحياء شعب إسرائيل في أرضه عام 1927، الربيع في أرض إسرائيل 1928.
ثم توالت كذلك الأفلام الوثائقية القصيرة التي كانت عبارة عن دعاية صهيونية مباشرة، تصف الاستيطان الزراعي من هذه الأفلام:
عوديد التائه عام 1932 إخراج حاييم هلتمى، صابرا عام 1933 إخراج ألكسندر فورد، هذه هي البلاد عام 1935 إخراج باروخ أجداتى، إلى حياة جديدة عام 1935، إخراج يهودا ليمان، نبوءة وواقع عام 1937 إخراج ناثان أكسلورود، فوق الخرائب عام 1938 إخراج ناثان أكسلورود، صوت من قريب عام 1939، إخراج ناثان أكسلورود، بيت في الصحراء عام 1947 إخراج بن عويزرمان، الأرض عام 1947 إخراج هيرمل لارسكى
نلاحظ أن الصورة التي خلقتها وروجت لها تلك الأفلام للعربي الفلسطيني حتى عام 1948، تتناقض تماما مع الصورة التي روجت لها نفس الوسائل لليهودي الصهيوني، وفضلا عن ذلك كان أحد الأهداف الأساسية للصهيونية، أن تجعل العالم يرى الفلسطيني صاحب الأرض، بالطريقة التي تريدها وعندما نرى الفلسطينيين في فيلم الأرض على سبيل المثال نراهم قوما من الكسالى، البلهاء، الطاعنين في السن الذين يستخدمون الوسائل البدائية في الزراعة ويتم توجيه اللوم إليهم، وانتقادهم بشدة بسبب إهمالهم لـ (الأرض المقدسة) لقرون عدة، ولكونهم يعيشون حياة متخلفة، فقد جاء اليهودي المتحضر، المتواكب مع ركب الحضارة، وأحضر معه علوم وثقافات الحضارات الأوربية والأمريكية المتقدمة، فنرى في مقابل الشخصية الفلسطينية الضعيفة، الصهاينة شبانا ممتلئين حيوية ونشاط يسيرون معا نحو الحقول حيث يعملون في الزراعة وهذا التناقض المقصود بين اليهودي الصهيوني والعربي تعمق في الضمير الغربي، وامتد ليشمل صورة الفلسطينيين وقضيتهم العادلة في أجهزة الإعلام الغربي فيما بعد، حيث تفرض المؤسسات الصهيونية حصارا شديدا على طاقة وسائل الإعلام الغربي لمنع طرح أي وجه نظر تناقش الحق الفلسطيني خلال مراحل الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي والذي امتد لأكثر من خمسين عاماً.
الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي على الشاشة الإسرائيلية.. مراحل وأهداف:
كان التخطيط عند إنتاج الأفلام الإسرائيلية مع قيام وإنشاء دولة إسرائيل في الخامس عشر من مايو 1948، يتم كما ذكرنا من قبل طبقا لمتطلبات المراحل المختلفة التي تمر بها الحركة الصهيونية، وذلك لخدمة أهداف كل مرحلة من مراحل الصراع العربي الصهيوني على امتداد خمسين عاما مضت.
ويمكن تقسيم أهم المراحل التي مرت بها السينما الإسرائيلية ومحاولاتها المستميتة لطمس هوية الفلسطيني الوطنية وجذورها التاريخية والحضارية، والأفلام التي تم إنتاجها في إسرائيل خلال كل مرحلة باعتماد الحروب العربية الإسرائيلية في أعوام 1948-1956-1967-1973 وأخيرا الاجتياح الغاشم عام 1982 على لبنان واحتلال الجنوب اللبناني وذلك كنقاط فاصلة بين مرحلة وأخرى، وذلك على أساس أن إسرائيل دولة عسكرية تعيش على العدوان والاحتلال والتوسع، وهو الأمر الذي يعد اعتبار كل حرب من تلك الحروب، بداية مرحلة جديدة في تاريخ هذه السينما.المرحلة الأولى: من 1948 إلى 1955:
دارت معظم أفلام تلك المرحلة حول المفاهيم التي تروجها الدعاية الصهيونية عن حرب فلسطين عام 1948. على أنها حرب استقلال إسرائيل من الاحتلال البريطاني، مع تناول معظم الأفلام لحرب 48 وانتصار القوات الصهيونية على القوات العربية، وإبراز صورة المستوطنين اليهود في المزارع الجماعية الكيبوتزات على أنها الرواد كأبطال قوميين انتصروا في تلك الحرب.
كما برزت في بعض الأفلام أهدافا أخرى جديدة من خلال تمجيد البطولة اليهودية عبر التاريخ من خلال تمجيد البطولة اليهودية عبر التاريخ من خلال نمطين، نمط استمدت مادته من مراحل التاريخ اليهودي القديم، ونمط استمدت مادته من أحداث التاريخ الحديث والمعاصر.. فرأينا على الشاشة الإدعاء بأن العرب الفلسطينيين ليس لهم وجود بالمعنى الشعبي بل هم جماعات من البدو والقرويين الجهلة الذين تنقصهم الخبرة القتالية تماما، كما تنقصهم الحضارة والمدنية، ونظرا لجهلهم يقاومون المدنية والحضارة التي يحملها اليهود إليهم.. وأن اليهودي الذي يحمل حضارات كل الأمم جاء عازما إلى هذه الأرض الخاوية ليلحقها بركب التحضر والمدنية، وإذا اضطر ليدافع عن هذه القيم فإنه رب المعرفة العسكرية وممارستها.
وترديد مقولة أن العرب المعاصرين يمثلون في عدائهم لإسرائيل، الامتداد الطبيعي لألمانيا النازية في عدائها لليهود، وهى مقولة حملت الكثير من المغالطات التاريخية المقصود بالطبع. ومن أهم هذه الأفلام:
• لا تخيفونا (أول فيلم إنتاج وإخراج إسرائيل) عام 1948 إخراج مائير ليفن :
يدور موضوعه عن اليهودي "ميجا" وزوجته "سارة" التي ألتقي بها في معسكرات الهاربين من النازية في ألمانيا انتظارا للهجرة إلى فلسطين.
• بيت أبى.. أنتاج عام 49 إخراج هربرت كلاين :
يدور موضوعه عن شخص يهودي يدعى "دافيد هالينى" نجا من معسكرات الإبادة النازية في ألمانيا، وهاجر إلى إسرائيل
• اللعنة.. البركة .. أنتاج 1950 إخراج هيرمل لارسكى :
عن زوجين في العشرينات في ألمانيا، يلقيان مصرعيهما أثناء النكبة النازية، يحاول أبنهما البحث عن جذوره، ومن مستقبل جديد في إسرائيل الجنة الموعودة.
• التل 24 لا يرد ..إنتاج 1954 إخراج ثورولد ديكنسون :
وتدور أحداثه عن حرب 1948 من خلال أربعة مقاتلين، ثلاثة رجال وامرأة: أيرلندي، يهودي، أمريكي، إسرائيلي، يهودية يمنية. تصدر الأوامر لهم بالدفاع عن موقع استراتيجي على طريق القدس، ويروى الرجال قصص حياتهم أثناء التحرك.. فيروى الإسرائيلي بأنه يهودي هاجر إلى فلسطين من إحدى دول أوربا وأثناء حرب 1948 قبض على جندي مصري جريح في صحراء النقب، وقد أعترف له هذا الجندي بأنه نازي قديم.. وذلك بعد محاولته الفاشلة في قتله بقنبلة يدوية، ومات وهو يعلن كراهيته لليهود.. وفى نهاية الفيلم يقتلون الأربعة في المعركة ويقرر ممثلو الأمم المتحدة أن التل تابع لإسرائيل لأن المرأة كانت تحمل العلم الإسرائيلي عند موتها.. هكذا نرى الفيلم يربط بين العدو العربي والنازية من جانب وإنسانية الإسرائيلي من جانب آخر!!
المرحلة الثانية: 1956 إلى 1966:
لم تتناول السينما الإسرائيلية حرب 1956 – العدوان الثلاثي على مصر- في الأفلام التي ظهرت في هذه المرحلة، وذلك على النقيض من حرب 1948 ثم حرب 1967 فيما بعد، والسبب في ذلك مرجعه أن العدوان الثلاثي كان عدوانا استعماريا واضحا، ولم تكن إسرائيل بمفردها في هجومها على مصر، بل كانت مصر هي البلد الذي واجه تحالف ثلاث دول، اثنتان منها من الدول الكبرى –بريطانيا وفرنسا- ومن جهة أخرى كانت نتيجة الحرب العدوان انتصارا سياسيا كبيرا لمصر، ولم تتحقق إسرائيل أية أهداف عسكرية أو سياسية من خلالها لذا جاءت أفلام هذه المرحلة تحمل الطابع الدعائي الموجه، نحو تذكير العالم بما لاقاه اليهود في الشتات من عذاب في معسكرات النازي، والهدف هو الإبقاء على نيران (الهولوكست) مشتعلة إلى الأبد، حتى يظل العذاب ماثلا في الأذهان، ففي فكرة العذاب الأبدي، وتعذيب الآخرين بها يكمن جوهر بقائها في الأرض المحتلة وكذا اكتساب التعاطف العالمي معها، باستخدام عقدة الإحساس بالذنب المترسبة في الضمير الأوروبي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.. وهو الأمر الذي نتج عنه فيما بعد في مرحلة التسعينات دفع تعويضات هائلة ليهود العالم أجمع ،وليس يهود إسرائيل فقط، من الذين نجوا من معسكرات التعذيب النازية ولأسر الذين لم يكتب لهم النجاة. كما صورت أيضا بعض الأفلام التي تناولت الشخصية الفلسطينية داخل موضوعاتها، على أن جماعة المقاتلين المناضلين الفلسطينيين ما هي إلا جماعات إرهابية ينبهون ويقتلون اليهود المسالمين الذين يكرهون الحرب. ومن أهم هذه الأفلام:
• الشمس تصعد إلى الأفق.. إنتاج 1960 إخراج أوفا برومبرجا :
يدور حول قصة حب بين فتاة إسرائيلية، وطالب يهودي الأم ألماني الأب، ترفض أم الفتاة هذه العلاقة التي تعيد إليها ذكريات الماضي الأليم عن معسكرات التعذيب النازية.
• المخبأ .. إنتاج 1962 إخراج ناثان جروس :
موضوعه عن حارس مبنى إسرائيلي من الذين أنقذوا من المعسكرات النازية.. يعود إلى المخبأ الذي كان يحتمي فيه خلال الأيام العصيبة، ويسعى إلى الانتقام لأنه لا يستطيع التخلص من الماضي الذي يسكن بداخله.
• ثمانية بعد واحد .. إنتاج 1964 إخراج مناحم جولان :
يدور عن مجموعة من الأطفال الإسرائيليين في مستعمرة بالقرب من قاعدة عسكرية جوية يرتابون في أن طبيب المستعمرة من جواسيس العدو العربي، فيعرضون حياتهم للخطر من أجل إثبات شكوكهم.
• في وادى الحضارة.. إنتاج 1964 إخراج الكسندر راماتى :
عن سائق سيارة محملة بالذخيرة في الطريق إلى إحدى المستعمرات الإسرائيلية على الحدود، يضل طريقه داخل الصحراء، وأثناء سيره يجد شخصاً يدعى "إسرائيل" وقد أصابه لغم زرعه أحد المخربين الفلسطينيين، فيعمل السائق على نقله إلى إحدى القرى العربية، وفى القرية نجد كبير القرية "الشيخ داوود" يعتني بالمصاب ويستضيف السائق، ثم يبين لنا الفيلم أن المخرب الذي زرع اللغم هو أبن كبير القرية الشاب العربي "سليم" الذي يقف ضد استضافة والده للإسرائيليين، ويحاول الاعتداء غليهما ولكنه يفشل.
ورسالة الفيلم هنا تبدو واضحة، فهي تتضمن التأكيد على أن العربي الجيد هو العربي الأمي/الجاهل الذي يرحب بالصهيونية، وأن المقاتل/المناضل الفلسطيني الشاب "سليم" وجماعته إرهابيين ينهبون ويقتلون اليهود، ولا يرغبون في العيش بسلام مع اليهود على أرض واحدة، أما المقاتل الإسرائيلي فيبدو رجلاً مسالماً يكره الحرب ولكنه يحارب غصباً عنه بسبب الكراهية الشديدة من قِبل العرب، وهو يفضل أن يعمل على زراعة الأرض وأن يجلب نور الحضارة الغربية إلى الشرق المتخلف.
• ليلة في طبرية .. إنتاج فرنسي مشترك عام 1965 إخراج هرفيه برومبرجيه :
يدور حول مهندس فرنسي يوفد إلى إسرائيل للإشراف إلى إحدى المؤسسات الكبرى، وتختفي أبنته ذات يوم في ظروف غامضة، ويعتقد الجميع أن العرب قد قاموا بخطفها بغرض الحصول على فدية كبيرة، ورسالة الفيلم هنا واضحة جداً ومباشرة وخاصة أن إنتاج هذا الفيلم جاء بعد إعلان قيام الثورة الفلسطينية المعاصرة في الأول من يناير 1965، فتبدو محاولة صناع الفيلم في تشويه صورة الثورة أمام العالم الغربي، وتصوير المقاتلين الفلسطينيين من أجل حقوقهم الوطنية المشروعة وكأنهم جماعات إرهابية من المخربين وقطاع الطرق ومعادين للسامية، وقوة هذه الصورة المقدمة تأتى بتأثيرها على عقلية المشاهد الغربي الذي يعتبر في الأساس موالياً لإسرائيل.المرحلة الثالثة : من 1967 إلى 1972
بعد حرب يونيو 1967 شهدت السينما الإسرائيلية حالة من الرواج السينمائي نتيجة استغلالها لظروف تلك الحرب بعمل الدعاية الإعلامية اللازمة التي جندت فيها كل خبراتها في التوجه بمخاطبة الرأي العام العالمي من خلال أصدقائها الذين يملكون وسائل السيطرة على وسائل الإعلام الغربي برسائل مؤداها : إنقاذ إسرائيل واحة الحضارة في الشرق الأوسط !! .. إسرائيل جند الله في أرضه والمحاصرة بالأعداء!! .. هذه الأرض تحتاج لمن يدافع عنها من أصدقاء إسرائيل!!
فاستغلت إسرائيل "سلاح السينما" في دعايتها لتثبيت تلك الصورة، ولذا فلم يعد ممكناً أن تستمر السينما الإسرائيلية في تقديم الدعاية النمطية حول أسطورة "ديفيد" الصغير الشجاع الذي تمكن من قهر "جوليات" العملاق العربي الضخم، فقد انكشف في أعقاب حرب 67 زيف الأسطورة التي روج لها الصهاينة طويلاً عن إسرائيل –تلك الدولة الصغيرة المسالمة التي تعيش وسط محيط عربي كاسح القوة- وأن العرب يريدون أن يلقوا بها في البحر، فلم تعد هذه الأسطورة الكاذبة بقادرة على إقناع المشاهدين في الغرب بعد أن رأوا بأنفسهم كيف أسفرت إسرائيل عن وجهها القبيح كقوة إحتلال عسكري غاشم لأراضى ثلاث دول عربية، وبكونها قوة قهر وتسلط على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة.
ومع بروز ونشاط حركة المقاومة الفلسطينية على الساحة والتأييد الكبير الذي حظيت به في العالم، أصبحت هناك ضرورة لظهور صورة أخرى جديدة للشخصية العربية على وجه العموم، والفلسطينية على وجه الخصوص في الإنتاج السينمائي الإسرائيلي، تركز بالطبع طوال الوقت على الصورة النمطية التقليدية للعرب كشعوب بدائية مناقضة للحضارة والتقدم الغربي، ولإسرائيل التي تأسست على شاكلة الغرب (المتحضر) !!
وكان البديل الذي تبنته السينما الإسرائيلية هو تشويه صورة الفلسطينيين وإظهار حركة المقاومة الفلسطينية أمام العالم كحركة إرهابية تسعى إلى تقويض الأمن والسلام في الشرق الأوسط، وتحاول تدمير إسرائيل بالإرهاب المسلح، بعد أن عجزت الدول العربية عن تدميرها في الحرب!!
فظهرت الأفلام في هذه المرحلة بهدف إبراز قوة جيش إسرائيل الذي دخل الحرب من أجل تحقيق الأمن والسلام بدلاً من التركيز على الدعوة التقليدية لهجرة اليهود إلى أرض الميعاد كما في المراحل السابقة، وعملت كذلك أفلاماً تبرز مفهوم (الجيش الذي لا يقهر) ولكي تحقق ذلك المفهوم الجديد عالمياً وجهت الدعوة إلى كبار نجوم السينما الأمريكية لصنع أفلامهم في إسرائيل، وكذا عملت إدارة الإعلام بوزارة الخارجية الإسرائيلية على اصطحاب المراسلين الأجانب إلى المواقع العسكرية حيناً، وإلى عرض أفلام تسجيلية مزيفة حيناً آخر لإبراز أسطورة القوة العسكرية الخارقة في الإعلام الغربي والتي تحطمت فيما بعد بحرب أكتوبر 1973، ومن أهم الأفلام التي ظهرت في تلك المرحلة :
• ثلاثة أيام وطفل.. إنتاج 1967 إخراج أورى زوهار :
وقد عرض في مهرجان "كان" السينمائي الدولي عام 67 –وهى المرة الأولى التي تشترك فيها إسرائيل بالمهرجان- وقد فاز ممثله الأول أودد كوتلر بجائزة أحسن ممثل وذلك تعبيراً من لجنة التحكيم عن تأييدها لإسرائيل، والفيلم يدور موضوعه عن أزمة روحية يعيشها شاب يسكن في القدس العربية ويبحث عن الحب والصداقة.
• مويشا.. إنتاج 1968 إخراج أورى زوهار :
تدور أحداثه عن الجندي مويشا الذي يثير السخرية وكفاحه ضد الإسراف والتبذير في الجيش، وتحوله إلى بطل عندما يكتشف أحد الجواسيس العرب.
• معركة سيناء.. إنتاج إيطالي مشترك إخراج مورتيزو لوتشيدى :
عن ثمانية جنود إسرائيليين يحاصرون في سيناء، ويدمر المصريون مدرعاتهم بمساعدة الفدائيين الفلسطينيين فيضلون طريقهم في الصحراء، وبينما هم على حافة الموت من العطش والجوع يتمكن أحدهم من إصلاح جهاز الاتصال، ويعرفون من خلاله أن إسرائيل قد انتصرت في الحرب، ولا تلبث بعض القوات الإسرائيلية أن تلحق بهم وتنقذهم من الموت.
• سيناء.. إنتاج 1970 إخراج آيلين آلدو :
يدور حول جموع الجيش الإسرائيلي في معارك سيناء، ثم يتم التركيز على مجموعة إسرائيلية تأخذ على عاتقها القيام بمهام الجيوش وتنفذ خطة القيادة بدقة خارقة، تارة بمواجهة الجيش المصري، وتارة أخرى بمواجهة المواطنين العرب بالأرض المحتلة، كل ذلك بدون وقوع خسائر بشرية في صفوفها بينما الخسائر العربية بالمئات على كافة الجبهات.
• أزيت .. من سلاح المظلات.. إنتاج 1972 إخراج بوعز ديفيدسون :
عن الكلبة "أزيت" التي تعنى بالعبرية "الشجاعة" ومغامراتها الخارقة في مشاركة القوات الإسرائيلية بالهجوم على الإرهابيين العرب في الأرض المحتلة في أثناء حرب 67.المرحلة الرابعة: من 1973 إلى 1981 :
جاءت هزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر 1973-العاشر من رمضان- وتحطيم أسطورة (جيش إسرائيل الذي لا يقهر) برياح التغيير في الدعاية الصهيونية، فبدلاً من استجداء العطف العالمي –كما في السابق- حول قضايا تعذيب اليهود على أيدى النازية، وقضايا اليهود المسالمين الراغبين في العيش في أمن وسلام في أرض الميعاد، ظهر في السينما الإسرائيلية تيار جديد لجيل سينمائي ينتمي للكيبوتزات في إسرائيل، والذي نشأ وتربى على فكرة (الحلم الصهيوني) بإقامة دولة يهودية في أرض اللبن والعسل.
ومع تعاقب الحروب التي خاضها الإسرائيليون بدعوى حماية الهوية والدفاع عن التراث والدولة، وما نتج عن تلك الحروب من التلاحم وجهاً لوجه مع ذلك (الآخر) العربي الفلسطيني –المنكر وجوده سلفاً- أدرك هذا الجيل من المخرجين السينمائيين إستحالة الاستمرار في نفى وجود (الآخر) العربي الفلسطيني، والتناقض الكامن في الحديث عن العذاب من النازى دون الالتفات إلى العذاب الذي يتعرض له شعب كامل يرزح تحت نير الاحتلال، كذلك أدت الهزة العنيفة التي حدثت في بنية المجتمع الإسرائيلي نتيجة حرب أكتوبر 73 مروراً بحروب الاستنزاف بالانتقال من حالة النشوة بالنصر التي صاحبت حرب 67 لحالة التصدع والانهيار التي أحدثتها ضربة حرب 73؛ إلى ظهور حركة (السلام الآن) التي ضمت بين صفوفها بخلاف بعض السينمائيين المنتمين للتيار الجديد العديد من أبرز رموز الثقافة والفكر في إسرائيل الذين أخذوا على عاتقهم دور القيام بحساب للنفس بحثاً عن إجابة للسؤال: أين أخطأنا؟ تقصياً لجذور الفشل، لذا قدم هؤلاء المخرجون أفلاماً تهاجم وتعترض على فلسفة العنف في نظام الحكم الإسرائيلي، وأفلاماً أخرى تصور حالات العجز والضياع وزوال الحلم الصهيوني وعقم الاستمرار في خداع الذات بإنكار وجود الآخر.
والمؤكد أن هذه السينما الإسرائيلية الجديدة لم تأت كنقيض للسينما الصهيونية التقليدية، وإنما جاءت كمحاولة لتحسين وجه الصهيونية وتقديمها بصورة جديدة، وذلك في مواجهة التأييد المتعاظم لثورة الشعب الفلسطيني، والإجماع الدولي الذي طالب بضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة بعد حرب 67 تنفيذاً لقرارات الأمم المتحدة في هذا الخصوص.
وبالطبع فإن هذه الأفلام لا ترفض وجود إسرائيل بل تحمل رسالة إلى مهرجانات العالم السينمائية التي تشارك فيها مؤداها (إن إسرائيل دولة الديمقراطية والحريات)!! والتساؤل الذي يفرض نفسه : هل هي حقاً دولة ديمقراطية؟!
ومن أهم أفلام تلك المرحلة :
• من أجل الفلسطينيين: إسرائيلية تشهد.. إنتاج 1974 إخراج أدنا بوليتى :
الفيلم صورة جريئة وقوية لواقع حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال الصهيوني، ومظاهر رفضهم لهذا الاحتلال الذي يتصرف فيه المحتل بعنصرية واضحة ويحاول محو/طمس الشخصية الفلسطينية، ويمارس أبشع أنواع القمع السياسي والجسدي ويستولى على الأراضي بالقوة ويستغل الأيدي العاملة الفلسطينية.
• عملية رجال الصاعقة.. إنتاج 1977 إخراج مناحم جولان :
تدور الأحداث عن عملية الإغارة الإسرائيلية التي قامت بها القوات الخاصة الإسرائيلية على مطار عنتيبى بأوغندا عام لإطلاق سراح ركاب طائرة (العال) الإسرائيلية التي اختطفتها مجموعة (فدائية فلسطينية) وحولت مسارها إلى أوغندا.
• الكفاح من أجل الأرض أو فلسطيني في إسرائيل..إنتاج 1977 إخراج ماريو أوفنبرج:
يتناول الفيلم مشكلة الأرض وهى عصب الصراع العربي الصهيوني من خلال دراسة ثلاث حالات: قرية (صفورية) في الجليل، وقرية (عرعرة) في المثلث، ثم مدينة (تل أبيب) عاصمة الدولة الإسرائيلية والتي تعتبر من رموزها الكبرى، ويستخدم المخرج في ذلك الوثائق التاريخية من ناحية وإجراء مقابلات والحديث مع عرب فلسطينيين ويهود إسرائيل المعادين للصهيونية من ناحية أخرى، فنرى شهادة واقعية من المتحدثين الست : "مصطفى سليم وعبد المجيد الرشيد" من بقايا الفلاحين الفلسطينيين الذين طردوا بالقوة من ديارهم، والشاميين "على الأزهري وأحمد مصاروة"، ثم الإسرائيليين "يهود عين جيل وأودد بلوفسكى"، حيث يعبرون عن ما حدث وعن رفضهم الصهيونية التىأحتلت قرية (صفورية) ودمرتها عام 1948 وطردت كل سكانها ومنعتهم من العودة إليها، وفى (عرعرة) كانت هناك 40 ألف هكتار للزراعة استولت على 36 ألف هكتار منها وطردت كل سكانها ومنعتهم من العودة إليها، أما تل أبيب فقد أقيمت على أنقاض قرية (كروم جيالى) العربية بعد أن دمرتها القوات الصهيونية أيضاً وطردت كل سكانها ومنعتهم من العودة إليها.
تأتى أهمية هذا الفيلم بتأكيده على ألسنة المتحدثين سواء من اليهود أو من العرب أنه لا حل للقضية دون الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني.
• الطريق الصعب إلى فلسطين.. إنتاج 1978 إخراج ماريو أوفنبرج :
يعبر الفيلم عن حقيقة وإمكانية أن يتعايش الشعب اليهودي مع الشعب العربي الفلسطيني على أرض فلسطين، من خلال تأكيده في البداية بأن العرب واليهود كانوا يعيشون معاً في سلام على أرض فلسطين قبل إنشاء إسرائيل، ونرى في الفيلم الكثير من الأحاديث واللقاءات مع عرب فلسطين ومع اليهود المعادين للصهيونية وشهادتهم الحية عن التحول الذي جرى في فلسطين بعد حرب 73.
• سكان الغريب.. إنتاج 1979 إخراج رودولف فان دنبرج :
يتجول بنا المخرج في بانوراما حية وحقيقية في شوارع القدس ومدن الضفة الغربية وغزة والجولان، ملقياً الضوء على السيارات العسكرية والجنود المنتشرين في كل مكان وكأن البلاد في حالة حرب حقيقية دائرة في زمن إنتاج الفيلم، ويصور مظاهر التناقض والتفرقة بين عرب فلسطين واليهود، ويدخل بنا من خلال كاميرا ذكية وواعية ومحايدة إلى داخل المخيمات الفلسطينية، ويجرى حديثاً مع امرأتين من سكان المخيمات ويسأل: إذا ما كانت المرآتان لا تزالان ترغبان في العيش في هذا البلد؟ فترد أحداهما بدهشة وعفوية:"وهل هناك وطن آخر لنا؟ إنها أرضنا وبلدنا وسوف نبقى وكلنا أمل في أن يحقق الله لنا العدل" ثم يجرى المخرج حواراً مع أحد الشخصيات الإسرائيلية من النخبة المثقفة يعكس فيه هواجسه الشخصية عن رفضه للسياسة الإسرائيلية التي تمارس ضد (الآخر) الفلسطيني ومحاولات طمس هويته، ولكنه رغم ذلك يدافع عن وجود إسرائيل كوطن لليهود.
• الخماسين.. إنتاج 1981 إخراج دانييل فايتسمان :
تدور أحداثه في قرية بالجليل بين شاب إسرائيلي يملك مزرعة وبيتا يقيم فيها مع أمه وشقيقته، وخالد الشاب الفلسطيني الذي يعمل لديه بالمزرعة.. تتصاعد الأحداث فيمارس (خالد) الجنس مع شقيقه الإسرائيلي صاحب المزرعة الذي يعلم بذلك ويقوم بقتله في مشهد وحشي.. وينتهي الفيلم بسقوط الأمطار على القرية.. لتغسل ما سقط من دماء إيذانا بنهاية موسم (الخماسين) والرياح التي تعصف بكل شئ.المرحلة الخامسة: 1982- 2008 :
إن حرب الاستنزاف (69-71) تعد الأرضية التي مهدت لنشأة حركات السلام المنظمة في إسرائيل خلال المرحلة الخامسة بما صاحبها من استمرار لمناخ الحرب الذي ينطوي على الموت والضحايا اليومية من الإسرائيليين التي كانت تتصدر صورهم الصفحات الأولى من الصحف الإسرائيلية. لدرجة أنهم كانوا يخشون قراءة الصحف في تلك الأيام حتى لا يفاجأوا بموت عزيز أو قريب.. كما أدت نتيجة حرب أكتوبر 1973 وما صاحبها من القضاء على أسطورة (جيش إسرائيل الذي لا يقهر) إلى ارتفاع في الروح المعنوية وفى المناخ القومي لدى عرب إسرائيل فزاد إحساسهم بالانتماء للعالم العربي عامة وللشعب الفلسطيني خاصة، وزادت لديهم أحاسيس الاغتراب عن المجتمع الإسرائيلي ولكن هذا الفخر والإحساس بالأمن لدى عرب إسرائيل بسبب حرب 1973 بدأ في الضعف نتيجة عمليات قتل الفلسطينيين في (سبتمبر الأسود، مخيم تل الزعتر، حرب لبنان، طرد الفلسطينيين من بيروت، وأخيرا الانتفاضة) ونتيجة لكل هذا شعروا أنهم فلسطينيون أكثر منهم عربا وخاصة في عهد الانتفاضة فتعاظم تضامنهم مع شعبهم الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة كما أدى توقيع اتفاق المبادئ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1993 إلى تغيير حاد في مشاعرهم أدى إلى وضعهم في معسكر واحد مع قوى السلام داخل إسرائيل بصفة عامة.
في ظل المعاهدة المصرية الإسرائيلية التي تم التوقيع عليها في مارس 1979 والتي نصت الفقرة الثالثة من المادة الأولى فيها على (تطبيع العلاقات بين الطرفين، بما فيها العلاقات الثقافية) بدأ اليسار الإسرائيلي يصنع أفلاما تعترف بالإنسان الفلسطيني (كضحية) وبالكيان الفلسطيني في إطار صهيوني... واعتبرت الصحافة الفلسطينية هذه النظرة الجديدة مجرد خدعة دعائية من قبل الكيان الصهيوني والواقع الفعلي يقول أن هذه الأفلام بالفعل قد حسنت من صورة إسرائيل في الإعلام الغربي كدولة ديموقراطية تحترم حرية التعبير لدى مبدعيها.. ولكن كيف تكون إسرائيل دولة ديمقراطية؟ كما يقول الكاتب الصحفي اليهودي السوري الأصل الإسرائيلي الجنسية أنطوان شماسي في كتابه (إسرائيل على مشارف القرن الحادي والعشرين) والذي تناول فيه تلك الصورة المزيفة قائلا: "إن دولة إسرائيل اليوم ليست دولة ديمقراطية حتى بالنسبة لليهود أنفسهم، حيث أن الاحتلال والديمقراطية لا يلتقيان".
وفى أعقاب الغزو الإسرائيلي الغاشم للأراضي اللبنانية واحتلال الجنوب اللبناني عام 1982.. تولد شعور عميق بالتناقض لدى بعض السينمائيين اليهود وبدأ الإحساس بالدوران في الحلقة المفرغة من الحروب والسأم من كابوس الحروب المتعاقبة والتشكك في جدواها يعم الكثيرين.. وبدأت تتسرب المشاعر والانطباعات التي تعبر عن مناخ الرفض لاستمرار أهوال الحرب والتمرد على الموت بلا ثمن.. والافتقار إلى الأمل في حياة هادئة في المستقبل.. مع رغبتهم الشديدة في ذات الوقت في حل الأزمة الفكرية التي تولدت لديهم من جراء ذلك التناقض.. فهم يشعرون إنه لزاما عليهم تأييد وجود إسرائيل القوية .. ولكنهم من ناحية أخرى يشعرون – مع الرفض الشديد للتطبيع من جموع المثقفين المصريين – أيضا بنوع من المسئولية الأخلاقية إزاء الممارسات القمعية العنيفة التي يتعرض لها الفلسطينيون تحت ظل الاحتلال الاسرائيلى.. تلك الرؤيا المتعددة الأبعاد يلعب فيها الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة دور (الآخر) الذي تتحدد هوية الدولة الإسرائيلية على ضوئه – ازدواجية (الآنا) و(الآخر) ومحاولة التوفيق بينهما - ومع تزايد المجموعة العربية في التسعينات من هذا القرن بداخل (الكنيست الإسرائيلي) وقيامهم بأعمال جليلة من شأنها الحفاظ على الهوية الفلسطينية والقومية العربية للشعب الفلسطيني بالرغم من معاناتهم من ظلم وتفرقة عنصرية شديدة حيث تعتبرهم إسرائيل مواطنين من الدرجة الثالثة، على الرغم من عددهم البالغ مليون ومائتي ألف نسمة ويحملون الجنسية الإسرائيلية وجواز سفر إسرائيلي وهم يمثلون 20% من سكان الشعب الإسرائيلي ويمثلهم عدد (اثني عشر نائبا) في الكنيست ليدافعوا عن مصالحهم ومصالح قضية السلام في الشرق الأوسط لضمان سلام عادل وشامل وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.. ويعود الفضل لهؤلاء (الاثني عشر نائبا) بقبول إسرائيل لإتفاق (أوسلو) الذي يقضى بإعلان قيام الدولة الفلسطينية في الرابع من مايو 1999 والذي تأجل تنفيذه نتيجة ضغوطا لا حصر لها مارستها السياسة الأمريكية على الرئيس الفلسطيني (ياسر عرفات) مع إعطاءه مجموعة من الوعود الاقتصادية بزيادة المنح والمساعدات لفلسطين فصنعت أفلام هذه المرحلة من منظور اليسار (الاشكنازى) ولاسيما حركة (السلام الآن) وحركة (جيل السلام) و(الشرق من أجل السلام) وليس من منظور فلسطيني بالطبع.. فتطرقت تلك الأفلام إلى المشاكل الغرامية بين الفلسطيني وبين النساء الإسرائيليات كرمز للحوار بين الشعبين وإمكانية التعايش السلمي بينهما، وفى أفلام أخرى ظهر الفلسطيني في هذا التيار مدافعا عن حقوق شعبه، ويتكلم اللغة العربية، كما بدا جذابا من الناحية الجنسية.. ولتأكيد واقعية تلك الأفلام تم اختيار بعض من الممثلين العرب ليقوموا بأداء أدوار الشخصيات الفلسطينية بدلا من الممثلين اليهود كما كان في السابق، وتستمد بعض هذه الأفلام التي تمتلئ بكثير من المواقف السلبية أهميتها من كونها تحاول الاقتراب من المنطقة الملغومة في الدراما التاريخية من الصراع العربي الإسرائيلي من جانب والصراع الفلسطيني الإسرائيلي من جانب آخر مع انحياز الكثير منها لتطلعات الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة والاعتراف الضمني بحقوقه الوطنية المشروعة ومن أهم الأفلام التي ظهرت في هذه المرحلة:
• يوميات حملة.. إنتاج 1982 إخراج أموس جيتاى:
يصور الفيلم مظاهر الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة.. والمواجهات اليومية بين الإسرائيليين والفلسطينيين وممارسة القوة والقهر والقمع ضد الفلسطينيين وصلابة الصمود الفلسطيني في مواجهة تلك الممارسات اللاآنسانية.
• وراء القضبان.. إنتاج 1984 إخراج اورى بارباش:
يطرح الفيلم موضوع الصراع داخل إسرائيل بين الإسرائيليين والفلسطينيين من جهة، وبين اليهود الغربيين (الاشكنازيون) واليهود الشرقيين (السفارديم) من جهة أخرى مع تركيز الفيلم حول الشخصيتين الرئيسيتين الأول: أورى مزراحى الذي يقضى بالسطو المسلح على أحد المحلات التجارية بغرض السرقة.. والثاني عصام (محمد بكرى) عضو منظمة التحرير الذي يقضى في السجن عقوبة تصل إلى خمسين عاما بسبب اشتراكه في أعمال (إرهابية)!!.
• جسر ضيق جدا.. إنتاج 1985 إخراج نسيم ديان:
عن علاقة تربط بين امرأة مسيحية فلسطينية والمدعى العام العسكري الإسرائيلي في مدينة (رام الله)
• ابتسامة الحمل.. إنتاج 1986 إخراج شمعون دوتان :
يصور الفيلم تلك العلاقة المعقدة التي تنشأ في ظروف معينة بين الفلسطيني الضحية والإسرائيلي الذي يمثل سلطة الاحتلال.
• أستر.. إنتاج 1986 إخراج أموس جيتاى :
يدور موضوعه حول الصراع على القوة.. وما يحدث لشعب عندما يصل إلى مركز القوة.. متضمنا رسالة لما يحدث اليوم في الشرق الأوسط من صراع مرير يشمل الشعوب والحقوق والانعدام التام للرغبة في التوافق أو التعايش معا وقد شارك في تمثيله الفلسطيني محمد بكرى
• الحقول الخضراء.. إنتاج 1989 إخراج أسحق يوشيرون :
يعكس أثر الانتفاضة الفلسطينية على المجتمع الإسرائيلي ويعبر عن العجز والتمزق الذي يعانيه المجتمع الإسرائيلي كما يعبر عن الحيرة وحالة التناقض الذي يشعر به السينمائيين الإسرائيليين من أبناء الصابرا.
• كأس النهاية ..إنتاج 1991 إخراج عيران ريكليس :
تدور أحداثه أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان في يونيو 1982، في الوقت نفسه الذي تجرى فيه مباريات كأس العالم لكرة القدم في أسبانيا – ويصور الفيلم قيام وحدة تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية بالهجوم على قاعدة عسكرية في جنوب لبنان ووقوع جندي إسرائيل أسيرا في أيدى الفلسطينيين الثمانية الذين يقودهم زياد (محمد بكرى) ويختلف أفراد المجموعة حول تحديد مصير الأسير الإسرائيلي (كوهين) وخلال مرحلة المجموعة يستعرض الفيلم التباين الشديد في مواقف أفراد المجموعة مشيرا إلى الخلفية الاجتماعية والشخصية لكل منهم. ويجدر الإشارة إلى أن ثمانية من الممثلين الفلسطينيين قد شاركوا في تمثيل الفيلم منهم: محمد بكرى، سليم ضو، سهيل حداد، سامى سمير، فيكتور قمر، غسان عباس
• الصندوق الأسود.. إنتاج 1993 إخراج يهود ليفانون :
يتناول الفيلم بطريقة مباشرة موضوع الصراع بين اليهود المقيمين في إسرائيل الرافضين للسياسة الإسرائيلية تجاه العرب في الأرض المحتلة، وبين اكتشافهم لأكذوبة الوطن الموعود.. مما يجعلهم يقررون الرحيل والعيش في أوربا وأمريكا.. وقد عاب الفيلم امتلاءه بمشاهد جنسية صارخة.
• مسرح الجريمة.. إنتاج 1996 إخراج أموس جيتاى:
يعد أول فيلم إسرائيلي عن اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي (اسحق رابين) في نوفمبر 1995،ومسرح الجريمة في الفيلم ليس الميدان حيث اغتيل رابين فقط وإنما تمتد الرؤية من الجولان إلى غزة، ومن تل أبيب إلى حيفا.. إنه تعبير شامل عن حياة مخرجه وتاريخ بلاده في نفس الوقت ومن خلال استخدام اللقاءات والحوارات مع نماذج مختارة عناية شديدة تمثل كافة الأجيال.. ويظهر العربي بالفيلم شخصاً فلسطينيا عجوز يعيش في غزة ويأتي حديثه عن اختلاف الأحوال بين زمن كان يعطى فيه عشرة آلاف دولار مقابل كلمة شرف.. والزمن الذي تتم فيه سرقة ألف دولار بالرغم من وجود إيصال.
• سجل اختفاء.. إنتاج 1996 إخراج إيليا سليمان:
يعد الفيلم الحدث في تاريخ الإنتاج السينمائي الإسرائيلي لكون مخرجه فلسطيني.. وهو الأمر الذي لزاما علينا الإشارة إليه والفيلم تعبير غير واقعي عن واقع الحال في إسرائيل/ فلسطين وطن المخرج إبان التسعينات ووجود الحكم الذاتي في فلسطين وما طرأ من تغييرات على حياة المواطن بعد اتفاقية (أوسلو).. ولكن تم عرض الموضوع من خلال سياسة إسرائيل الرامية إلى القبول بالأمر الواقع.. ولا غرابة فيما طرحه الفيلم ومخرجه الفلسطيني الأصل.. لأن أموال الحكومة الإسرائيلية هي التي أنتجت هذا العمل وساندته حتى طالعنا ليس على شاشات العرض في إسرائيل فحسب بل وعلى شاشات لمهرجانات عالمية كمهرجاني (فينسيا) و(قرطاج)
خاتمة:
مما سبق عرضه نجد أن صورة الشخصية العربية الفلسطينية في السينما الإسرائيلية وكما بينت الدراسة لم تختلف كثيرا عن المفهوم السياسي الإسرائيلي لهذه الشخصية.. وعلى ذلك لم يقدم مخرجي السينما الإسرائيلية أي تصور للعلاقات بين اليهود والعرب في فلسطين قبل الاحتلال من خلال نتاج المراحل الأولى من عمر تلك السينما وهذه الظاهرة تعكس بوضوح الرغبة الأكيدة في تجاهل الشعب الفلسطيني من ناحية.. وتجاهل أن لهذا الشعب حقوقا مشروعة مغتصبة من ناحية أخرى .. لأن التطرق الذي حدث في الأفلام لمعالجة الشخصية العربية الفلسطينية تم على أساس إنها شخصية هامشية في الحياة اليهودية على أرض فلسطين.. وأنها أدنى بكثير من الشخصية الإسرائيلية.. وأنها مجرد مخلوق يجب التخلص منه بشكل أو بأخر.. وإذا كان مخرجي السينما الإسرائيلية قد تعمدوا تجاهل طرح أثر تصور للعلاقات بين اليهود والعرب في فلسطين، وكذلك طرح أثر تصور لحل المشكلة العربية في نفس الوقت الذي أسهبوا فيه في وصف قدرة الاستعمار الإستيطانى الصهيوني على فرض إرادته على الأرض الفلسطينية، فإننا نجد بين ثنايا بعض أعمال هذه المرحلة بالدراسة قد أشارت إلى أن هذا سيؤدى إلى نموذج عربي فلسطيني جديد، سيمثل طرحاً جديداً للشخصية الفلسطينية، وهذه الشخصية النبؤة لن تكون مستسلمة للإرهاب، ولن تنحني أمام سطوة القهر الإسرائيلية بل ستكون مشحونة بعبء الأجيال السابقة، وتحمل بين جنباتها صرخة الثأر لاستعادة الوطن السليب، وقيام الدولة الفلسطينية والتي سبق أن أعلن عن قيامها زمن الانتفاضة في 1988، وكان مقرراً لها طبقاً لاتفاقية أوسلو الإعلان عن قيامها مرة أخرى في الرابع من مايو 1999، ومهما يكن من مستقبل الدولة الفلسطينية، على افتراض أنها آتية الآن والآن وليس غداً تظل هناك أسباب كثيرة تدعونا إلى التعامل مع حركات السلام في إسرائيل بحذر شديد وبحساب دقيق قائم على الفرز والتمييز بين أهداف وأفكار تلك الحركات التي تؤكد غالبيتها على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، وترفض التفرقة العنصرية بين يهود إسرائيل وعربها وتنادى باعتبارهم مواطنين إسرائيليين كاملي المواطنة، إلا أنه ينبغي أن نشير هنا ونحذر من أن هذه الحركات تظل مرتبطة وملتزمة بما أتفق على تسميته بـ (صهيونية الحد الأدنى) كما أن قضايا الأمن الإسرائيلي لديها لها أهمية خاصة لا تختلف كثيراً عن سائر القوى الصهيونية اليمينية، وخاصة في مسألة القوة النووية الإسرائيلية، وسياسة الردع، بالإضافة إلى أن معظمها يؤكد على مبدأ القدس الموحدة والعاصمة الأبدية لإسرائيل.
ومن هنا فإن عملية السلام الذي تدعى حكومة (بنيامن نتينياهو)
نية تحقيقه بمبدأ (الأرض مقابل السلام) تعتقد الصهيونية أن ذلك السلام سوف يساعدها على التخلص من العقبات التي أبطأت حتى الآن من عملية تنفيذ برنامجها وأنه سوف يحول إسرائيل مرة أخرى إلى دولة فاعلة في نظر يهود الشتات، فتتجدد لديهم الرغبة في الهجرة إليها، وبالنسبة للإسرائيليين فإن هذا السلام سوف يثير فيهم مرة أخرى الرغبة في إقامة مجتمع متجدد على النحو الذي تنبأ به (الحالمون الصهيونيون) منذ مائة عام. وخاصة بعد إقامة الجدار الفاصل واحتلال قطاع غزة واغتيال رموز النضال الفلسطيني مثل الشيخ احمد ياسين و عبد العزيز الرنتيسى وغيريهما وكذا القبض على مروان البرغوتى احد قادة منظمة فتح والحكم عليه مؤخرا بالسجن المؤبد وزيادة أربعون عاما أخرى و بانتهاء نظام صدام حسين وادعاء تحرير العراق من قبل الفوات الامريكيه وحلفائها أ صبح الحلم الاسرائيلى القديم ( من النيل إلى الفرات ) يداعب خيالهم من جديد ولن أقول قريب المنال للتحقق وذلك في ظل ما نراه من العمليات الفدائية الباسلة والعمليات الاستشهادية التي تفوق الوصف من قبل الشعب الفلسطيني الصامد ضد الاحتلال وضد عمليات القمع والقهر والاعتقال والأبادة كما في مذابح صابرا وشاتيلا وأخيرا وليس أخرا جنبن وغزة
وفى النهاية وبطبيعة الحال فإنه لا يمكن لأي باحث سينمائي أو محلل سياسي على ضوء المعطيات المتاحة الآن وضع إجابة عما ستسفر عنه تداعيات الصراع العربي الفلسطيني الإسرائيلي ومحاولات تحقيق السلام المنشود في الفترة المقبلة.
المصادر:• على نبوى (السينما الصهيونية .. أقنعة القتلة) مجلة سطور مايو 1998
• سمير فريد (مدخل إلى السينما الصهيونية) 1981
• أمير العمرى (سينما الهلاك) 1992
• سمير فريد (الصراع العربي الصهيوني في السينما) 1992
• سمير فريد (السينما والتاريخ) العدد الخامس 1993
• د.رشاد عبد الله الشامي (إشكالية الهوية في إسرائيل) عالم المعرفة أغسطس 1997
E-MAIL ADRESS:
ALYNABAWY@HOTMAIL.COM
ANALAZYZ@YAHOO.COM
الأستاذ على نبوى
ردحذفبجد و بدون مجاملة فعلا مجهود يستحق التقدير على سلاسة و عمق و غزارة المعلومات إل فعلا بجد لخصت جزء مهم جدا فى حلقة الصراع فى القضية الفليسطنية و طبعا ده مش غريب عليك لأننا اتعودنا منك دايما على صدق المعلومة و قوتها
و ربنا يدك دايما الصحة علشان تمتعنا بمقالات جميلة زى دى
شكرا يا اسلام باشا
ردحذفوسعدت بتعليقك على الموضوع
وسعدت اكثر انه اعجبك بما يحويه من معلومات ليست فقط عن الافلام وانما لب الصراع العربى الاسرائيلى واهداف كل مرحلة عن العدو
وربنا يديم علينا جميعا الصحة والعافية
لنكتب ونكتب حتى اخر نفس فى عمرنا
كتاباتك ثرية والأهم من ذلك أنها موثقة، وهذا هو ما نفتقده في دراساتنا عن السينما بشكل عام
ردحذفأشكرك على تنبيهي إلى مدونتك، التي سأتابعها من الآن فصاعدا
نحن الذى نشكركم يا استاذ ياسر على تعليقكم
ردحذفونحمد الله ان الدراسة قد اعجبتكم
وفقنا الله جميعا لما فيه الخير للوطن